بحلول ليل كل ليلة، تصبح عاصمة دكالة مرتعا للسكارى، تكتظ بهم الشوارع والأزقة، ومركز المدينة. فخلو الشارع العام تدريجيا من "الناس العاديين"، يقابله اكتساح السكارى و"المقرقبين" و"صحاب السلسيون والجانكا" الذين يشكلون، بفقدانهم السيطرة على سلوكاتهم وتصرفاتهم، خطرا محدقا على أنفسهم، قبل مستعملي الطريق من مارة وسائقي العربات.
ف"العربدة" مباحة ومتاحة، ما دامت المواد المسكرة متوفرة، وتتناسب وتناسب جيوب المدمنين والمستهلكين، وأماكنها تكتسح المدينة كالطفيليات : الأسواق التجارية الممتازة، ومحلات البيع المرخص لها، وحتى غير المرخص لها من قبيل "الكرابا"، وحانات الخمر، والملاهي والمراقص الليلية، والأوكار المفروشة(...).
نموذجنا "سكير غير عاد"، ليس كباقي السكارى. له إلمام بالفن، وذوق وحس رفيع. اختار طريقة فريدة للتعبير، في ساعة متأخرة من الليل، عن عربدته والتخلص من مكبوتاته. نقطة إيجابية تسجل لصالح "سكيرنا" : لم يكن عنيفا في سلوكاته وتصرفاته، ولم يكن مسلحا أو يتفوه بكلام ناب، ولم يعتد على أحد. "سكيرنا موهوب" وفضل صب جام غضبه على تحفة فنية، تمثال برونزي، يؤثث الرصيف المحاذي لأسوار الحي البرتغالي، الذي صنفته منظمة اليونسكو سنة 2005، تراثا إنسانيا. السكير هوى بكل ثقله على التمثال، وأسقطه أرضا، وشرع من ثمة في جره دون ملل أو كلل، من أرضية المكان التي منتصبا عليها ويفترشها، إلى الرصيف الآخر من الشارع. البطء في الحركة والعياء جعلا السكير يتوقف عند منتصف الطريق، ويتمدد لأخذ قسط من الراحة، إلى جنب التحفة الفنية التي تحطمت. ما عرقل حركة السير والجولان على المحور الطرقي الرئيسي. دورية أمنية راكبة حلت في عين المكان، بعد أن كان السكير قطع أشواطا متقدمة في جر "غنيمته"، والتي يرجع الفضل كل الفضل في عدم اختفائها وتبخرها في الطبيعة، إلى ثقل وزنها.
السكير حل لتوه ضيفا على مصلحة المداومة. الضابطة القضائية خصصت له زنزانة في المحبس التابع لبناية أمن الجديدة، قبل أن تحيله بعد انقضاء 48 ساعة، على النيابة العامة. المسطرة القضائية المرجعية تضمنت محضر استماع الظنين الذي اعتدى على التحفة الفنية. فيما كانت خالية من الإجراءات التي تخص الطرفين المتضررين، ممثلين في المجلس الجماعي، وصاحب التحفة الفنية، الذي كان أقام، الجمعة 3 ماي 2013، معرضا ضم 34 تمثالا منحوتا من البرونز، نصبهم في فضاءات 5 ساحات عمومية بالجديدة.
بالمناسبة، العارض "صاحبي الشتيوي" من عمالقة النحت على البرونز، يتحدر من تونس، ويقيم بالدارالبيضاء. وكان عرض منحوتاته الضخمة في كبريات دول العالم. وتتميز أعماله بتقنية عالية في الإنجاز. إذ يعتمد في منحوتاته وأيقوناته ثلاثية الأبعاد، على مواد مختلفة تشهد على مدى تمكنه من صياغتها بدقة حرفية، وبنوعية إبداعاته الفنية، متنقلا بسهولة بين الحجر والرخام والنحاس والبرونز … مع انصهار البعض منها في درجة حرارية قد تصل إلى 1200 درجة مائوية، وتطويعها للأشكال التي يحددها حسب المواضيع المقترحة، داخل أوراش شاسعة وضخمة، نظرا لما تتطلبه هذه التقنية من إمكانيات كبيرة.
وتجدر الإشارة إلى أنه بحلول الليل، وتسارع عقارب الساعة التي تطوي مسافات الزمن، وكأنها في سباق محموم، تصبح عاصمة دكالة مرتعا للسكارى والمتسكعين و"الشماكريا". أعدادهم تتزايد ما بعد منتصف الليل، سيما أن بعض حانات الخمور لا تغلق أبوابها في الأوقات المحددة قانونا، على غرار مراقص وملاه ليلية، يطلع عليها فجر يوم جديد، وتتمازج الموسيقى الصاخبة وشطحات "المسخ"، مع آذان المساجد.
وبالمناسبة، دأبت الفرقة السياحية بالجديدة ودورياتها الراكبة، على مكافحة ظاهرة السكارى والمتسكعين. ما جعلها تحطم الرقم القياسي في المردوية، وهذا ما يستشف بالواضح والملموس، بلغة الأرقام والإحصائيات "النوعية". ما بات يثقل كاهل الضابطة القضائية لدى الدوائر الأمنية، ومصلحة المداومة، بمساطر "فارغة".
ويشكل ضباط الشرطة القضائية لدى الفرقة السياحية بأمن الجديدة، الاستثناء في المغرب، لكونهم لا يفعلون البتة صفتهم الضبطية، التي تكمن في مباشرة الأبحاث التمهيدية أو بمقتضى حالة التلبس، وإنجاز المساطر القضائية المرجعية، وإحالتها بمعية الأطرف أو على شكل معلومات قضائية، على النيابة العامة لدى محكمتي الدرجتين الأولى والثانية. وهم في ذلك (ضباط الفرقة السياحية) يخرقون عن قصد ومعهم رئيسهم المباشر العميد المركزي، رئيس الأمن العمومي، مقتضيات المذكرة المديرية عدد : 13373/إ.ع.أ.م.، ناهيك عن مقتضيات المواد 18 وما يليها إلى 21 من قانون المسطرة الجنائية، وغيرها من مواد ق.م.ج.
الفرقة السياحية هي مصلحة قائمة بذاتها، تابعة للأمن العمومي، مثلها مثل الدوائر الأمنية، ومصلحة حوادث السير (صاك). يتعين أن يسري عليها ما يسري على تلك المصالح الأمنية، سيما أنها تتوفر على جميع السجلات (سجل الضبط، وسجل الواردات والصادرات، وسجل التداول، وسجل اليد الجارية أو الأحداث اليومية، وسجل الجنح والجنايات، وسجل الحراسة النظرية ...)، وهي سجلات مرقمة، وتحمل تواريخ محددة من 1 يناير وإلى غاية 31 دحنبر من السنة ذاتها. غير أن الفرقة السياحية لا تفعل جل هذه السجلات، التي أخذت مكانها منذ ما يزيد عن عقد، في رفوف المحفوظات والأرشيف. كما أن ضباط الفرقة لم تعد تربطهم "عمليا" أية علاقة مهنية مع رؤسائهم القضائيين، الوكلاء العامين للملك، ووكلاء الملك. وقد كانوا بالمناسبة فعلوا صفتهم الضبطية مؤقتا في عهد والي الأمن مصطفى الرواني.
وبات ضباط الفرقة السياحية يباشرون بشكل "محتشم" صفتهم الضبطية، ابتداء من الاثنين 27 أبريل 2003، بإنجازهم أول محضر إيقاف يحمل رقم : 1، يتعلق بالأشخاص الموقوفين في إطار قضايا المخدرات. فهذا الإجراء القانوني والمسطري "المحتشم" غير "كاف"، مقارنة مع الإجراءات التي يتعين عليهم (ضباط الفرقة السياحية) تفعيلها، شأنهم في ذلك شأن الدوائر الأمنية، ومصلحة حوادث السير، وفرق وأقسام المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية(...).
إن عدم تفعيل الصفة الضبطية يعتبر "امتيازا حصريا" في المغرب، توارثه ضباط الفرقة السياحية، وجرى تكريسه في عهد رئيس الأمن الإقليمي بالنيابة السابق. "امتياز" يبدو أن لا أحد باستطاعته أن يسحبه منهم. وهم في ذلك يتميزون عن باقي الفرق السياحية في مدن مراكش وأكادير وطنجة (...). وعلى سبيل المثال، فالمصلحة السياحية لدى ولاية أمن فاس، التي تضم أزيد من 100 موظف أمني من مختلف الرتب، تباشر المهام الموكولة إليها، في إطار اختصاصاتها وصلاحياته، ناهيك عن إجراء التحريات والأبحاث، وإحالة المساطر والأطراف على النيابة العامة.
تعتبر السياحية بالجديدة "مناسباتية وظرفية"، والممرات السياحية بها "جد محدودة"، مقارنة مع مدن مراكش وأكادير وفاس مثلا (...). والسياحة في المفهوم الضيق لبعضهم، تشمل الأجانب وليس المغاربة. وهذا خطأ فادح. إذ نجد أن عناصر من الفرقة السياحية ترافق السياح الأجانب الذين يكونون بمعية مرشدين "مزيفين" بالملاح، وتسهر على أمنهم. في حين لا أحد يولي أدنى اهتمام بالسياح المغاربة، الذي يتركون لوحدهم. وحتى لا يتحول بعضهم بقدرة قادر، إلى "مقاولين عقاريين"، و"أصحاب شقق مفروشة" (لا تخفى عناوينها على الاستعلامات العامة)، و"رجال أعمال وأفعال" ... حيث إن أعمالهم تشهد علهم.
ولنا عودة إلى موضوع "الفرقة السياحية بالجديدة، بين الامتياز المتوارث، والقوانين المنظمة لاختصاصاتها واختصاصاتها ومهامها، على ضوء المذكرات المديرية، ودوريات مديرية الأمن العمومي، وقانون المسطرة الجنائية".
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة