مراسيم دفن ميت بمقبرة الرحمة تتحول إلى مشاداة كلامية بين متشددين وأهل الميت
مراسيم دفن ميت بمقبرة الرحمة تتحول إلى مشاداة كلامية بين متشددين وأهل الميت

في الوقت الذي هم في أمس الحاجة إلى مواساتهم والوقوف بجنبهم في محنتهم اقلها مرافقتهم والحضور معهم في مراسيم الدفن حسب التعاليم الإسلامية التي ورثناها أبا عن جد منذ عصور خلت .

 

يأتي متشددون (تركوا كل أوكار المنكرات من حانات ومقاهي الشيشة وأوكار الدعارة) إلى المقبرة لمنع قراءة القران على الميت بحجة أنها بدعة مما جعل احد الأقارب يتدخل محاولا إبعادهم . الشيء الذي لم يرق المتشددين فانطلقت شرارة الملاسنات كادت أن تشعل نار الفتنة لولا تدخل احد العارفين وهدد المجموعة المتشددة  بالاتصال بالسلطة إن هم تمادوا في هذا وأمام استغراب الحاضرين انسحب المتشددون واحد تلو الأخر عندما شعروا أن الأمور ستصل إلى السلطة  .

وتجدر الإشارة أن هذه الحوادث أصبحت تتكرر يوميا بالمقابر مما جعلنا نتساءل عن دور  مندوبية الشؤون الإسلامية والمجلس العلمي في مثل هذه الحوادث  التي بدأت تتغلغل شيئا فشيئا إلى مجتمعنا .

الجديدة 24 اتصلت بأحد أعضاء المجلس العلمي  الذي صرح  لها أن هذه المجموعة مسخرة من طرف جهات خارجية لزرع الفتنة بين المسلمين وأكد لنا أن الأمر الشرعي جاء بقراءة القران الكريم على جهة الإطلاق ومن المقرر أن الأمر المطلق يقتضي عموم الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال فلا يجوز تقييد هذا الإطلاق إلا بدليل وإلا كان ابتداع في الدين بتضييق ما وسعه الله ورسول الله (ص) .وحجة هذه المجموعة ان الرسول'(ص) لم يفعلها ونحن متفقون معهم في هذا ولكن هذا ليس بدليل لان الله سبحانه وتعالى قال في سورة الحشر ( ..وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..)والرسول لم ينهينا عن قراءة القران بل بالعكس الرسول( ص)يقول (اقرءوا ياسين على موتاكم ) رواه ابوداود والنسائي وابن ماجة واحمد والحاكم وابن حيان . ان ما يدعيه هؤلاء المتشددين انه بدعة استنادا الى كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .مجرد اجتهاد باطل فهل من المعقول أن قراءة القران في المقابر تؤدي إلى النار .

قال محمد بن احمد المروذي احد تلاميذ الإمام احمد بن حنبل ما نصه :سمعت احمد بن حنبل يقول ( ادا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي وقل هو الله احد ثلاث مرات تم قولوا .اللهم اجعل فضله لأهل المقابر ) كتاب القصد الارشد .وذكر الإمام الشافعي في كتابه الأذكار ما نصه :قال الشافعي والأصحاب :يستحب أن يقرءوا عنده شيئا من القران ،قالوا فان ختموا القران كله كان حسنا )( الأذكار باب ما يقول بعد الدفن .

وأضاف السيد العضو ان الاجتهاد يتغير بتغير الزمان والمكان ولو لم يكن هكذا لكان كل شيء وجد في هذا العصر بدعة .فالرسول (ص) لم يقرا القران عبر شاشة التلفزيون ولا عبر أمواج الإذاعة  ادا فالتلفزيون بدعة والراديو بدعة حسب ما يدعيه هؤولاء المتشددين .فادعاءاتهم باطلة فليتروكو الناس في حالهم ماداموا لم يقوموا بما يغضب الله سوى انهم يقرءون القران

 وفي لقاء مع مندوب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أفصح لنا هذا الأخير أن المندوبية بصدد دراسة تدابير بتنسيق مع المجلس العلمي والسلطة المحلية للحد من انتشار كل الظواهر التي تحاول زرع الفتنة بين المسلمين .

الجديدة 24 من جهتها حاولت التوسع في البحث واتصلت باحد الائمة العرفين بامور الدين وافصح لنا على ما يلي :



 اتفق أهل العلم على أن الميت ينتفع بما عمله من خير في حياته ويدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلاث اشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.

وكذلك اتفقوا على أن دعاء الحي للميت ينفعه ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان" سورة الحشر آية (10).
وما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من دعائه للأموات في صلاة الجنازة وغيرها كحديث عوف بن مالك قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله .. ) الحديث رواه مسلم.
وكذلك اتفقوا على أن صدقة الحي عن الميت تدفع الميت ويدل على ذلك حديث عائشة أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أمي افتلت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها؟ قال: نعم) رواه مسلم ومعنى افتلت نفسها أي ماتت فجأة، كما اتفق جمهور العلماء على أن الحج عن الميت ينفعه لما ورد في الحديث عن بريدة أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن امي ماتت ولم تحج أفيجزي أن أحج عنها؟ قال: نعم (رواه مسلم) وكذلك قال طائفة من أهل العلم بأن الميت ينتفع بصوم الحي عنه لما ورد في حديث عائشة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه). رواه البخاري ومسلم.
هذه هي أهم الأعمال التي ينتفع بها الميت وتصل اليه والتي وردت فيها النصوص الشرعية.
وأما قراءة القرآن وجعل ثواب ذلك للميت فمسأله اختلف فيها أهل العلم قال الإمام النووي رحمه الله: (واختلف العلماء في صول ثواب قراءة القرآن فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يصل وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي الى أنه يصل) الأذكار ص 40 وقال الحنفية إن ثواب القرآن يصل الى الميت وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتليمذه ابن القيم واختيار الإمام النووي وغيرهم من أهل العلم.

وهو الذي اختاره واقول به لأن الأدلة الواردة في انتفاع الميت بعمل الحي في باب العبادات تدل على انتفاع الميت بقراءة القرآن إذ لا فرق بين انتفاعه بالصوم والحج وانتفاعه بقراءة القرآن قال ابن قدامة رحمه الله: (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله). المغني 2/ 423 ثم ذكر بعض الأدلة الدالة على انتفاع الميت يعمل الحي وقد سقت بعضها ثم قال: (وهذه أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت فكذلك ما سواها) المغني 2/ 423.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: (وأما قراءة القرآن واهداؤها له تطوعاً يغير أجرة فهذا يصل اليه كما يصل ثواب الصوم والحج فإن قيل فهذا لم يكن معروفاً في السلف ولا يمكن نقله عن واحدة منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - اليه وقد أرشدهم الى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم اليه ولكانوا يفعلونه.
فالجواب أن مورد هذا السؤال أن كان معترفاً بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والأستغفار قيل له ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال وهل هذا الا تفريق بين المتماثلات وأن لم يعترف بوصول تلك الأشياء الى الميت فهو محجوم بالكتاب والسنة والإجماع وقواعدالشرع.
وأما السبب الذي لأجله لم يظهر ذلك في السلف فهو انهم لم يكن لهم أوقات على من يقرأ ويهدي الى الموتى ولا كانوا يعرفون ذلك البتة ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم ولا كان أحدهم يشهد من حضره من الناس على أن ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا ثواب هذه الصدقة والصوم. ثم يقال لهذا القائل لو كلفت أن تفعل عن واحد من السلف أنه قال اللهم ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت فإن القوم كانوا أحرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا يشهدوا على الله بأيصال ثوابها الى أمواتهم. فإن قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرشدهم الى الصوم والصدقة والحج دون القراءة قيل هو - صلى الله عليه وسلم - لم يبتدنهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ولم يمنعهم مما سوى ذلك وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وأمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر .. ) الروح ص 142 - 143.

وأخيراً يجب التنبيه على أن القراءة التي تصل للميت وينتفع بها هي القراءة بدون أجر وأما إذا استأجر أهل الميت قارئاً يقرأ بأجره فلا يصل ثواب القراءة للميت ولا ينتفع بها ولا يصح الاستئجار على قراءة القرآن في هذه الحالة ولا ثواب في ذلك للقاريء ولا لذوي الميت ولا للميت قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وأما الاستئجار لنفس القراءة - أي قراءة القرآن - والإهداء فلا يصح ذلك .. فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه لا ما فعل لأجل عروض الدنيا .. وأما إذا كان لا يقرأ لأجل العروض فلا ثواب لهم على ذلك وإذا لم يكن في ذلك ثواب فلا يصل إلى الميت شيء .. ) مجموع الفتاوى 24/ 315 - 316.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة