المحامي رشيد وهابي يشرح تأثير فيروس كورونا على عالم البيئة
المحامي رشيد وهابي يشرح تأثير فيروس كورونا على عالم البيئة


إن كان من مرحب في كل هذا العالم يمكنه أن يرحب بقدوم فيروس كورونا الجديد لن تكون غير البيئة بمختلف مكوناتها ، فالكرة الأرضية بهوائها انتعشت وأرضها  استراحت وتنفست هواء نقيا وطبيعتها تخلصت من الملوثات التي كانت تُسود خضرتها أو تُفسد نقاء مياهها ، وحتى الحيوان الذي يسكن فيها خرج ينظر باستغراب إلى الإنسان الذي حُبس في منزله بعد أن حبسها لسنوات في حدائقه ، وكان يستمتع بالنظر إليها ، خرجت من الغابات وبدأت تهيم في مدن سكنها وعمرها الإنسان من قبل ، الطبيعة عادت لدورتها الأولى ، لا تلوث لا سيارات تتحرك كما كان ، لا مصانع تعمل وتنفث سمومها كما قبل ، لا طائرات تنفث وقود من نوع الكيروزين وغيره  في علياء السماء ، قل الاستهلاك العالمي وأصبح الإنسان يكتفي بما يسد رمقه فقط ، البيئة الآن في أحسن أحوالها فرحة وهي تسخر مما حاق بالإنسان الذي دمرها وأمعن في تلويثها ، ومن يعلم فربما هي  تدعو من حيث لا نرى ونُحس بأن يطول مقام كوفيد 19 بيننا حتى تتعافى من التلوث  ، وهو خلاف أهل الاقتصاد وأصحاب العمل وكل الناس صغارا وكبارا ممن سيطلب منه أن يقولوا كلمة في حق كورونا ، فلا شك أنهم سينفثون كل حقدهم وكرههم لهذا الفيروس الذي حبسهم في المنازل وعطل أعمالهم وأفقرهم  ، لكن ربما يكون لأناس آخرين من أنصار البيئة  رأي آخر ، لذلك نحن سنحاول أن نأخذ رأي رجال آخرين ممن يمكن أن تكون لهم رؤية مختلفة حول الإيجابيات التي خلفتها كارثة فيروس كوفيد 19 والتي لا تذكر ولا يتم الكلام عنها إلا قليلا  أمام هول ما فعله فيروس كوفيد 19  بالجنس البشري ، سنستضيف في هذا الحوار الأستاذ رشيد وهابي المحامي بهيئة الجديدة والناشط في مجال البيئة  باعتباره كاتبا عاما لجمعية القلب الكبير للبيئة والتنمية المستدامة لطرح بعض الأسئلة عليه والمتعلقة بمدى تأثير فيروس كوفيد 19 على البيئة في المغرب وفي العالم أجمع . 
سؤال : الاستناد وهابي هل يمكن أن نقول بأن فيروس كوفيد 19 هو شر في مجمله ولا خير سيرجى من حضوره وخروجه إلى العالم بالشكل الذي خرج به  ؟
جواب : سأكون مخادعا إن قلت لك  أن فيروس كوفيد 19 لم يؤثر على الجنس البشري في كل مناحي الحياة التي يعيشها ،  وهي حقيقة تظهر على محيا وحياة الجميع ، فيروس كورونا كارثة شاملة لم تشعها البشرية بشكل سابق  بكل المقاييس ، لأن التطور الذي عرفته الإنسانية وتقريب المسافات بين الدول عبر السفر بالطائرات واختلاط الأجناس وانفتاح الأسواق وازدهار السياحة العالمية بين الدول ، كان مفتاحا ذهبيا في يد الفيروس به فتح كل دول العالم وأصاب موطنيها وقتل منهم من قتل ، ومازال يغزو الدول ويستعمرها ويفرض عليها أنماط حياة مقيدة ومشددة لاتقاء شره ومع ذلك مازال يزحف عليها بدون رحمة ، وهو فيروس إن أطال البقاء ستكون له تداعيات أخطر وأكبر على دول العالم ومواطنيها على كل المستويات . ولكن حتى ننصف من لا يستحق ، ففيروس كوفيد 19 هو المحامي والقاضي الذي في نظري حضر بدون دعوة لكي يدافع عن البيئة التي أصبحت تأن وتموت وتحتضر بشكل بطيء وأصدر أمره المستعجل بوقف كل أشكال المدنية التي تلوث البيئة في العالم والذي نفذ من طرف خصومه دون أن يطلب تنفيذه بنفسه .
سؤال : إذن أنتم تعتقدون بأن خير فيروس كوفيد 19 على البيئة كان واضحا وستستفيد منه البشرية في مستقبل الأيام  ؟ 
جواب :  أبدأ الجواب عن هذا السؤال يحيلني على تقرير صدر قبل أيام واطلعت عليه في بعض المواقع الإلكترونية العالمية والذي يقول أن الشلل الذي يعرفه العالم بسبب كوفيد 19  كان له تأثير واضح على معالجة طبقة الأوزون بشكل لم يسبق له مثيل منذ بداية هذا الثقب في التوسع ، بل إنهم يعتقدون بأن الثقب الذي كان محط تخوف الخبراء والعلماء من قبل سيصبح في خبر كان في منتصف أبريل الحالي أي أن الثقب الذي كان يثير هلع أنصار البيئة وزمروا واحتجوا بأعلى صوتهم بأن استمرار اتساع هدا الثقب يعني نهاية البشرية . وهذا يجعلنا نرجع لنتمسك بتلك المقولة التي يرددها المغاربة ( ما عرف العالم الخير فينا هو ) كلما وقعت عليه مصيبة ، فربما لو استمر اتساع طبقة الأوزون في التوسع بالشكل الذي كان عليه ، ربما نصل إلى يوم يصبح فيه الجنس البشري مهددا بشكل آني  بسبب الأشعة التي ستهلكه والتي كانت تحجبها عنه طبقة الأوزون . وربما هذا الفيروس ستكون فائدته على مجموعة من القطاعات إيجابية بعد زواله ورحيله بعد أن علم الإنسان بكل طبقاته دروسا لن ينساها ما حيا  ، والأكيد أن فائدته على قطاع البيئة أصبحت ظاهرة للعيان ، وكانت ستخبرنا قادم الأيام عن المزيد مما كان يخفيه لنا المستقبل لو استمر التلوث بالشكل الذي كان عليه ، وخطورة تلويث الأرض كانت تتداولها ألسنة النشطاء والمهتمين من رجال البيئية  وعلمائها وينذرون بخطورة عدم الحد منها في كل دقيقة وفي كل ساعة وكانوا يحذرون الإنسان مما سيلحق به قريبا إذا استمر في  مغامرة التلويث ولم يعمل على إيقافها . 
سؤال : ألم يستطع العالم بكل القوانين التي أخرجها لحماية البيئة وكل المؤتمرات العالمية  والإتفاقيات التي أخرجها معالجة مشكل تلويث البيئة ، وهل فشل كل القادة المؤثرين ممن يحملون هم البيئة ويحاربون للحد من تلويث البيئة ، ونجح فيروس صغير لا يرى في معالجة مشكل البيئة ؟   
جواب : منظمة الأمم المتحدة نظمت مجموعة من المؤتمرات حول البيئة حسب علمي المتواضع بداية من  مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية  المنعقد باستوكهولم سنة 1972  ، وتوالت المؤتمرات ، والمغرب الذي تعتبر من الدول الملتزمة بشكل كبير وبشكل فارق ومتميز في الدفاع عن البيئة وفي تسطير ذلك على أرض الواقع وفي ترسيم هذا التصور في شكل نصوص قانونية مؤطرة وحامية للبيئة ، قد نظم سنة 2013 بمراكش المؤتمر العالمي السابع للتربية البيئية  المغرب ، وبعدها بثلاث سنوات فقط  نظم مؤتمرا عالميا مهما تحدث عنه كل العالم  وهو مؤتمر (كوب 22) بمراكش  والذي أثبت بشكل واضح انخراط المغرب في خدمة القضايا البيئية والتنمية المستدامة  ليس فقط على المستوى المحلي ولكن على المستوى الدولي كذلك ، ويكفي أن نعرف أن قضايا البيئة والدفاع عنها  بالمملكة المغربية هي مهمة موكولة لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، لنعرف أن البيئة وقضاياها عند الملك تحظى بأهمية مطلقة وبأولية واضحة ، كما أن الترسانة القانونية المغربية المتعلقة بالبيئة ترسانة قوية ومتنوعة تحمي مجالات شتى متعلقة بالبيئة ، من الماء إلى الغابات ، ثم الهواء و التربة والمناجم والمقالع وغيرها ، والملاحظة التي يعرفها كل مناضلي البيئة في المغرب وينشرحون ويفتخرون بها ،  أن هناك إسهالا تشريعيا محمودا خلال العشر سنوات الأخيرة نظم مجموعة من القطاعات والمسائل المرتبطة بالبيئة ، وهدف المغرب  من طرح تلك التشريعات هو الحفاظ على البيئة وصيانتها على مجموعة من المستويات والقطاعات ، ونتذكر بالأمس القريب كيف قرر المغرب وقف بيع الأكياس البلاستيكية بشكل نهائي وعاقب على إنتاجها ، وهو قرار لم تتخذه كثير من الدول الغربية ومنها من يحمل لواء الدفاع عن البيئة مند عقود   كذلك نتذكر كيف بدأت قبل مدة قليلة الشرطة البيئة في عملها في مجموعة من مناطق المغربية دون أن ننسى أن هناك أقسام للبيئة ومصالح لها مند مدة ليست بالقصيرة حتى عند رجال الدرك ، و يجب أن لا ننسى أنه في المغرب كل مشروع يُقدم لإنشاء معمل أو مصنع أو غيره لا يمكن أن يرخص له إذا لم يحصل على موافقة المصالح المكلفة بالبيئة والتي تكون معقدة وتتنوع القطاعات المراقبة لها  ، إذن بالنسبة للمغرب بحكم تتبعي للقضايا البيئة أعتبره بدون مجاملة أو ميل وطني من الدول الرائدة في قضايا البيئة  على المستوى العالمي تشريعا وتطبيقا وتنزيلا على مستوى الواقع . ولكن المشكلة تكمل في الدول  الصناعية الكبرى التي تعتبر الملوث الأكبر للعالم  من مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين والتي لا تلتزم بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية البيئة أو تعمل على التحايل في تطبيقها في سبيل عدم المس بعجلة دوران اقتصادها ، بل إن الولايات المتحد الأمريكية وعلى لسان رئيسها ترامب أكدت أنها ستوقف العمل أصلا حين أبلغت واشنطن رسميا الأمم المتحدة بانسحابها من اتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015 ، محددة تاريخ الانسحاب في شهر نوفمبر 2020 لتكون الولايات المتحدة بذلك القوة الاقتصادية الوحيدة الخارجة عن هذه المعاهدة المناخية المهمة .
وهي الاتفاقية التي تعتبر أول اتفاقية عالمية خاصة بالمناخ ، ونصت توصياتها  على ضرورة وضع حد للانبعاث الحراري في سبيل  حماية الأرض من  زيادة معدلات الانبعاثات الناجمة عن الثورة الصناعية و داعية إلى الحد  من انبعاثات التصنيع والتي  يمكن أن تكون لها تأثيرات مدمرة على البيئة في قادم الأيام.
وهذا كله يظهر أن فرط الإنسان لتسريع النمو الاقتصادي و البحث عن الغنى وعن تفريخ مناصب الشغل دون مراعاة لتأثير ذلك على البيئة لا يمكن لأي قانون أو مؤتمر أن يوقفه خصوصا إذا كان ينظر إليه بمصلحة المصلحة الخاصة  للدولة المصنعة التي لا  تراعي مصلحة العالم والجنس البشري ، ولكن من سخرية القدر أن  ينبعث فيروس صغير لا يرى بالعين و لا يُرى  بالمجاهر العلمية إلا بصعوبة ، يُثبت قدرته على وقف كل الأنشطة التي تضر  بالبيئة صغيرتها وكبيرتها ، ويشل حركتها بشكل كامل ، وكأنه جندي أبيض استعانت به البيئة ليداوي جراحها التي تسبب فيها الإنسان المتحضر والمجتمعات الصناعية منذ سنين عديدة .
سؤال: الأستاذ وهابي رشيد كلمة أخيرة يمكن أن توزان فيها بين خير فيروس كورونا وشرها ؟
جواب :  أختم بقوله تعالى في الآية 216 من سورة البقرة  حين قال: ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم).
فنحن كما يعلم الجميع في نتقاتل في الوقت الحاضر يوميا وفي حرب لا تتوقف مع فيروس كوفيد 19، وهي حرب  فرضت على الجنس البشري دون أن يسعى إليها ، وهي حرب معلنة من كائن خفي يتخفى ويضرب ويدخل لجسم الإنسان ويزرع فيه المرض وقد يقتله ويفتك به ورغم كل هذه الدراما الواقعية التي يعيشها كل فرد  على وجه البسيطة ولكن بمستويات مختلفة ، فالأكيد أن العالم بعد انجلاء غيمة هذا الفيروس سيتغير إلى الأحسن  والقادة والمواطنون سيكون غدهم أحسن من ماضيهم ، وهذه هي الحكمة الذهبية التي أصبح يؤمن بها  كل إنسان  على وجه الأرض عاش هذه التجربة المرة والمؤلمة ،  ونحن لا ندري قد نقول مستقبلا  شكرا فيروس كوفيد 19  الذي استطاع أن يغير العالم  وسياساته ويجدد أولوياته ويعيد التفكير في المصير المشترك للجميع أغنياء وفقراء والذي قد يفنيهم جميعا ، وأفهمنا جميعا أنني أحتاج إليك ولا يمكنني أن أستغني عنك لأن حياتي مرتبطة بحياتك ، فإن عِشتَ عشتُ أنا كذلك  ، وإن مِت بكارثة صحية أو نووية أو بشرية لن أموت وحدي بل ستلحق بي في القريب العاجل. و فيروس كوفيد 19 طرح بقوة الدفاع والعمل بشكل متواصل ومتضامن لحماية الجنس البشري من الفناء . وجعلت الكل يؤمن بأن مصير البشر مسلمين مسيحيين ويهود ولا دينيين واحد فكلما تضرر منه عضو سيتضرر من ألمه أو مرضه أو حتى موته كل الجسد البشري في كل بقاع العالم.
 


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة