المستشار الدولي معتمد في حقوق الإنسان محمد رشيد الشريعي: على الدولة الاجتهاد لأجل توسيع هامش الحريات
المستشار الدولي معتمد في حقوق الإنسان محمد رشيد الشريعي: على الدولة الاجتهاد لأجل توسيع هامش الحريات

 

أكد محمد رشيد الشريعي رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق الإنسان بالمغرب والمستشار الدولي المعتمد في مجال حقوق الإنسان، انطلاقا من تسعينيات القرن الماضي وفي ظل التطورات الايجابية التي طبعت المشهد الحقوقي الدولي، عرف مسار المقاربة المغربية لتسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. و أضاف المستشار الدولي المعتمد في مجال حقوق الإنسان، و نائب رئيس الإتحاد الدولي للدفاع عن حقوق الإنسان العربي وحقوق الطفل، في حوار مع لموقع "الجديدة24"، أن المغرب عرف في الآونة الأخيرة تراجعات خطيرة في مجال حقوق الإنسان وتفاقمه مقارنة بالسنوات الماضية .
 
§     حوار/ سعيد دنيال
 
نبذة عن حياة الأستاذ المناضل محمد رشيد الشريعي ؟
 
معتقل سياسي سابق أفرج عنه ضمن المجموعة 33 بعفو خاص إبان تأسيس هيأة الإنصاف والمصالحة سنة 07/01/2004، الكاتب العام المحلي سابقا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان/ فرع أسفي.
الكاتب العام سابقا للنقابة الوطنية لعمال وموظفي وأطر الجماعات/ فرع أسفي.
عضو سابق جمعية أطاك المغرب/أسفي.
رئيس سابق للمركز المغربي لحقوق الإنسان.
عضو سابق للتنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان.
عضو سابق الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان.
عضو سابق في التنسيقية المحلية لمحاربة الفساد والمفسدين.
 عضو المبادرة الوطنية في الحق في التنظيم.
رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق الإنسان بالمغرب.
نائبا لرئيس الإتحاد الدولي للدفاع عن حقوق الإنسان العربي وحقوق الطفل.
مستشار دولي معتمد في مجال حقوق الإنسان.
 
س: تعالت الأصوات عن ضرورة إلغاء الفصل الـ 490 من القانون الجنائي الذي يعاقب كل رجل وامرأة أقاما علاقة خارج إطار الزواج، وكان رد الفعل من طرف أصوات غاضبة لإشاعة الفاحشة بين الناس، ما تعليقكم على ذلك ؟
 
ج: النقاش الدائر الآن حول الحريات الفردية أو الثورة الجنسية صحي ويدل على حركية ودينامية المجتمع المغربي الذي تتعايش فيه تيارات واتجاهات فكرية تنهل من مشارب فكرية مختلفة، ومتناقضة أحيانا، تعكس الغنى الفكري الذي يمر به هذا المجتمع والذي يشكل مصدر الأمل في المغرب الممكن بفضل النضال والعمل الحقوقي المستميت والجدي. فخلق النقاش وإثارة القضايا الشائكة يساهمان بلا شك في خلق التدافع الفكري الذي يسمح بإنضاج التصورات وتزويد الفضاء العمومي بخلاصات قد لا تكون شعبيةً ولا يتفق عليها الجميع، إلا أنها تساهم بلا شك في توفير الظروف الملائمة لتوافق بين القوى الفاعلة في المجتمع حول القضايا الاشكالية.
بإعتباري رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، حيث أن من مبادئنا وأهدافنا الأساسية هو أننا نستمد قوتنا وهويتنا من كونية حقوق الإنسان وهذا يحيلنا على الإستناد إلى المواثيق الدولية وفي هذا الصدد فإن القوانين الدولية تضمن الحقوق الفردية لكل المواطنين وبالتالي لا يمكن في ظل التطور النظري والفكري وعلاقته بوضعية حقوق الإنسان لابد أن لا نساهم في تقييد كل ما يتعلق بالحقوق الفردية للأشخاص ومن الواجب إحترام العلاقات الرضائية وبالتالي لا يمكن وضع القيود على الحريات الشخصية من خلال إعمال الفصل 490 من القانون الجنائي كما أن موضوع الحرية الجنسية موضوع حقوقي بامتياز يعكس مدى نضج المجتمع وقدرته على التعايش مع حرية الأفراد ففي جميع البلاد الديمقراطية؛ فالأصل هو التمتع بهذه الحقوق وضمان ممارستها وليس منعها مع إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي لأنه يقيد الحريات الفردية التي هي أسمى حق من حقوق الإنسان.
 
س: ما هي المكتسبات التي حققها المغرب في مجال حقوق الإنسان على المستوى الوطني والدولي ؟
 
ج: انطلاقا من تسعينيات القرن الماضي وفي ظل التطورات الايجابية التي طبعت المشهد الحقوقي الدولي، عرف مسار المقاربة المغربية لتسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تراكمات وتعثرات، لعل أهمها أحداث هيأة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 كتعبير عن بداية تشكل التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية الأولى تتعلق بالتقارير الأولية التي تروم تحليل ودراسة الإطار القانوني لأوضاع حقوق الإنسان في الدولة ومعرفة مستوى تهيئة البنية التشريعية والمؤسساتية لإعمال المعايير الدولية لحقوق الإنسان كمنطلق أساسي يمكن الرجوع إليه في التقارير الدورية لقياس التقدم المحرز في مجال الامتثال للآليات الدولية.
المجموعة الثانية تتعلق بالتقارير الدورية والتي تقترن بمضمون الالتزامات الدولية وتسمح للآلية والجهاز المعني بمعرفة مدى تطبيق المقتضيات والمعايير الواردة في الاتفاقيات الدولية والتدابير التشريعية والإجرائية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان. كما أن التقارير الدورية تكشف عن مدى تجاوب الدول الأطراف مع التوصيات والملاحظات المقدمة من طرف الآلية أو الجهاز في التقارير السابقة.
المجموعة الثالثة تهم التقارير الإضافية أو التكميلية والتي يمكن اللجوء إليها من طرف الآلية أو الجهاز وأيضا من طرف الدولة من أجل إعطاء معلومات إضافية أو تكميلية حول موضوع أو قضية معينة لم ترد في التقارير الدورية أو معلومات عن موقف طارئ له علاقة بمجال معين في حقوق الإنسان.
على مستوى الممارسة المغربية، يلاحظ أن السنوات الأخيرة سجلت بطأ في إنجاز المغرب للتقارير الدورية وبعثها إلى الهيئات المختصة، إذا كان تحليل الممارسة المغربية على مستوى احترام دورية التقارير يؤشر إلى مسار يتميز بالضعف في جدولة إعدادها، يفسره إلحاح تقارير المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان في كل سنة على إثارة الانتباه لذلك، باعتبار أنّه يؤدي إلى تراكمها والاضطرار إلى إعداد عدد منها في آن واحد مما ينعكس على جودتها وقوتها و راهنيتها، فإنّه يكشف عن محدودية تفاعل الحكومة المغربية مع الملاحظات والتوصيات الصادرة عن اللجن المعنية.
      بالرغم مما عرفته الممارسة الاتفاقية للمغرب في مجال حقوق الإنسان من تطور انعكس بشكل خاص على مواصلة الانخراط في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، فإنّ ما ميزها على مستوى استكمال الإجراءات المسطرية لرفع التحفظات أو المصادقة على المواثيق الدولية المعلن عنها بشكل رسمي، من تأخير غير مبرر، وضعف على مستوى متابعة تفعيل ملاحظات وتوصيات الهيآت الدولية بمناسبة فحص التقارير الدورية التي يقدمها المغرب من شانه التأثير على مصداقية الممارسة الاتفاقية للمغرب خاصة بالنظر للتدابير التي يجب اتخاذها لتعزيز الحماية الدستورية والتشريعية لحقوق الإنسان. إنّ دراستنا لهذا الموضوع، بقدر ما تفيد بأنّ هناك مجهودات بذلت من طرف الدولة المغربية للاستجابة لمتطلبات توفير الضمانات الكفيلة بعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، يعكسها ما عرفته الممارسة الاتفاقية للمغرب في مجال حقوق الإنسان من تطور نسبي وما تضمنه دستور 2011 من مقتضيات متقدمة، تؤكد التزام المغرب بحماية منظومتي حقوق الإنسان القانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، بقدر ما تبرز التأخير غير المبرر على مستوى استكمال الاجراءات المسطرية لرفع التحفظات أو المصادقة على المواثيق الدولية المعلن عنها بشكل رسمي، وتكشف لنا محدودية متابعة تفعيل ملاحظات وتوصيات الهيآت الدولية، بمناسبة فحص التقارير الدورية التي يقدمها المغرب، واستمرار تأجيل تنزيل المقتضيات الدستورية وإقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بمجال حقوق الإنسان.
     فالدولة المغربية مطالبة دائما بانجاز توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وتوصيات المنظمات الدولية والوطنية لحقوق الإنسان، وبشكل خاص وضع استراتيجية وطنية متكاملة، مندمجة ومتعددة الأطراف، لمكافحة الإفلات من العقاب لصيانة المستقبل من شوائب الماضي.
 
س: ما هي النواقص التي يعرفها المغرب في مجال حقوق الإنسان ؟
 
ج: عرف المغرب في الأونة الأخيرة تراجعات خطيرة في مجال حقوق الإنسان من خلال إستمرار الاعتقال السياسي ومعتقلي الرأي وتفاقمه مقارنة بالسنوات الماضية، إلى أن "حراك الريف أعطى فرصة لقياس تطور الحقوق في المغرب، واتضح أن كل ما جاءت به هيئة الأنصاف والمصالحة كان وهما، فقد شاهدنا كيف كانت الاعتقالات والأحكام والآن كيف يعيش المعتقلون، فضلا عن بعض الممارسات التي شابت محاكمات الريف والتي كانت جد قاسية ومجحفة في حق المعتقلين"، مضيفا انه يمكن إسقاط نفس الأمر على معتقلي جرادة وبني تجيت".
وفي منطقتنا العربية، انتقدت منظمات حقوقية مغاربية ما وصفته باستغلال مرحلة الطوارئ في تونس والجزائر والمغرب، لسنّ تشريعاتٍ تحدّ من حريات الأشخاص، وتُجهز على المكتسبات في مجال حرية الرأي والتعبير، والانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان، وتقوية السلطوية أو التمهيد لعودتها في الدول التي تراجع فيها التسلّط. وبالفعل، اتخذت السلطة من حالة الطوارئ الصحية فرصةً للإجهاز على ما تبقى من المكتسبات الحقوقية كما أن هناك مخاوف من استغلال السلطة حالة الطوارئ لسنّ قوانين رجعية، تجهز على ما حققته نضالات الحركة الحقوقية وكل القوى الديمقراطية من مكتسباتٍ في مجال حقوق الإنسان ولقد، أظهرت حالة الطوارئ قدرة أجهزة الدولة على السيطرة على الوضع، وهو ما قد يجعلها تفكّر في تشديد قبضتها على كل الأصوات المناهضة لسياسة الإجهاز على ما تبقى من مكتسبات عبر الزج بهم في متاهات هم في غنى عنها عوض الإنكباب الفعلي والعقلاني لمعالجة مطالب الشعب المغربي وهي إجتماعية محظة عوض إستحضار المقاربة الأمنية لإسكات كل هذه الأصوات المطالبة بحقوقها. 
وفي هذا الصدد يؤكد الخبراء اليوم أن الأزمة العالمية التي أحدثتها جائحة كورونا ستكون لها آثار وخيمة على الاقتصاد وعلى حقوق الإنسان بشكل عام، وسيكون لها ما قبلها وما بعدها، وقد كشفت عن أخطار كثيرة تتهدد المجتمعات والتحديات التي ستواجهها مستقبلاً، إنْ لم تتبنّ نماذج اقتصادية ونظماً سياسية تُراعي، أولاً وقبل كل شيء، حقوق الإنسان وحرياتهم، وإلا فإن الشعوب التي عاشت هذه المحنة ستُفرز حركاتٍ اجتماعيةً و شعبيةً تسعى إلى صياغة بدائل للنموذج الاجتماعي الاقتصادي الاجتماعي السائد حالياً، فهذه الأزمة بقدر ما أرعبت الناس وأضرّتهم فتحت عيونهم على حقوقهم، وجعلتهم يحسّون بأهمية التمتع بحريتهم وممارستها لحمايتها.
 
س: هل المغرب قادر على تجاوز هذه النواقص في ظل التحولات الكبرى التي تقع اليوم عالميا ؟ 
 
ج: بطبيعة الحال وذلك من خلال الإنفتاح على مطالب الحركة الحقوقية  عوض إستحضار المقاربة التي تؤسس لقمع حقوق الإنسان، والمس بحريات المواطنين، المدنية والسياسية والثقافية، والتضييق على أنشطة المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان والتضييق على الصحفيين، هي تمس في عمق حقوق الإنسان وتعطي صورة قاتمة على وضعية حقوق الإنسان في المغرب وأيضا الإنصات لنبض الشارع وتحقيق إنفراج حقيقي من خلال الإفراج الفوري على كافة المعتقلين كل من معتقلي الرأي ومعتقلي الحراك الريف ومعتقلي الحراك الإجتماعي وكل الأصوات الرافضة لهذه السياسة ذلك من أجل تقوية الجبهة الداخلية من أجل مواجهة كل التهديد الخارجي والإنكباب على التنزيل الحقيقي لجميع مقتضيات القوانين والمراسيم. 
 
س: كان هناك نقاش عن عدم احترام حقوق الإنسان في بعدها الكوني في عهد الحكومات السابقة، ماذا سجلتم في هذه النقطة بالنسبة إلى حكومة العثماني ؟
 
ج: المغرب، لا زال يعاني مشكلات اجتماعية عويصة، ولا زالت نسب الهشاشة والفقر والأمية والجهل فيها، جد مرتفعة وغير مرضية، حسب ما تنشر تقارير دولية مختصة، وبالتالي وجب على الدولة المغربية وصناع القرار المزيد من الاجتهاد والمثابرة في العمل، من أجل توسيع هامش الحريات المدنية والسياسية، وتعزيز حقوق الإنسان في شموليتها 
إذن، لماذا هذه الردة الحقوقية؟ لماذا يحن صناع القرار في الدولة المغربية إلى العودة بمسألة حقوق الإنسان  إلى سنواتٍ الجمر والرصاص لماذا هذا التشنج في العلاقة مع الحركات الحقوقية الديمقراطية والذي يرغب في التعبير عن آرائه ومواقفه بكل حرية؟ 
متى كان خيار الحرب على المنظمات الحقوقية والناشطين في مجال حقوق الإنسان خياراً ناجعاً وموفقاً في المغرب؟ ماذا ستربح الدولة المغربية من قمعها الحريات وتضييقها على أنشطة المنظمات الحقوقية داخلياً؟ وماذا ستخسر، في مقابل ذلك، أمام المجتمع الدولي؟
لغة العقل  تقتضي من العقلاء في مربع السلطة في المغرب، ترتيب أولويات الدولة وتحدياتها، وتقييم سياساتها العمومية بمنهجيةٍ، تأخذ في الاعتبار صورة المغرب وسمعته في الداخل والخارج، في ظل الاتهامات التي توجه إليه من قبل خصومها في المحافل الحقوقية الدولية.
والحكمة السياسية في التعاطي مع الفعل الحقوقي في المغرب مطلوبة، اليوم، في تدبير شؤون الدولة، التي ينبغي عليها ألا تشتت تركيزها وجهودها في مواجهات وحروب داخلية صغيرة، تضرها ولا تنفعها وطنياً وإقليمياً ودوليا. ما هو أمني وحيوي و جيواستراتيجي للمملكة المغربية يتطلب تعبئة وطنية شاملة و مسؤولة، تتضافر فيها جهود كل الأطراف داخلها، من أجل تمنيع وتحصين المكتسبات التي راكمتها الدولة المغربية خلال عقود، بدل التفريط فيها، بسياسات خاطئةٍ، لا تنظر للتحديات والمخاطر التي تتهدد أمنها  بل وجب التفكير وبشكل معقلن في مغرب أخر يحافظ على استقراره وبنظرة ثاقبة وواعية في ظل عالم المتغيرات.
 
 

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة