الدروس الخصوصية أو ''المراجعة'' هل هو نوع من الاحتيال؟
الدروس الخصوصية أو ''المراجعة'' هل هو نوع من الاحتيال؟


في تسعينيات القرن الماضي روجت السينما المصرية من خلال بعض الأفلام والمسلسلات صورة نمطية مقيتة للمدرس وذلك في قالب هزلي، حيث تم تصوير المعلم  وهو يستضيف ببيته مجموعة من الطلاب الصغار على أساس ان يقدم لهم دروس الدعم، لكن خلافا لذلك يتم تكليف الأطفال في المشهد السينمائي بأعمال منزلية من قبيل تقشير الخضر أو غسل الأواني وغيرها. هذه الأعمال الدرامية والتي على شاكلتها نجحت إلى حد ما في خلق صورة  دونية للمدرس من طرف المجتمع، بل وكانت مقصودة وبتعليمات من السلطات السياسية الحاكمة بمصر لكسر شوكة الوعي والمعارضة التي كان المدرسون أحد أعمدتها في ذلك الوقت. وهنا أستحضر قولة مشهورة للبروفيسور والمفكر المغربي الكبير المهدي المنجرة : " إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاثه هي هدم الأسرة وهدم التعليم وإسقاط القدوات والمرجعيات.
والواقع اليوم أن الدروس الخصوصية صارت مقننة وشائعة لدرجة كبيرة، سواء داخل البيوت بشكل خاص، أو بالمقاهي أو بمؤسسات تم إعدادها  لهذا الغرض، كذلك داخل بنايات التعليم الخصوصي والتي تستغل فترات انتهاء الدروس اليومية في تنظيم الحصص المسائية فيرتفع الربح ويتضاعف. 
هذا الموضوع يحتاج مقاربته  من عدة زوايا، فمن الناحية القانونية مثلا يمنع منعا تاما على الأساتذة المنتسبين لوزارة التربية الوطنية القيام بدروس خصوصية يتلقون عليها أجرا، بالرغم من أنه أمر شائع إلا أن ذلك مخالف للقانون فهي إذن في هذه الحالة دروس خصوصية في السوق السوداء. بالإضافة إلى أن التلاميذ لا يشملهم أي تأمين خلال تلقي هذه الدروس. وفي حالة المؤسسات الخصوصية التي تتوفر على التراخيص اللازمة لمزاولة هذا النشاط، فهل كلها توفر تأمينا للأساتذة والمتعلمين؟ وهل يتم التصريح بكل الأرباح لمصلحة الضرائب؟ وهل تخضع للمراقبة الدورية من طرف القيمين على القطاع ؟ 
ومن الناحية الاجتماعية فهل صار مقبولا أن يسعى أولياء التلاميذ لتوفير مستلزمات الدروس الخصوصية المكلفة؟  والأصل أن يتلقى كل المتعلمين دون استثناء تعليما جيدا داخل الفصول الدراسية العمومية تغنيهم عن ما يسمى ب "المراجعة". مع العلم أن المناهج الدراسية تتضمن جميع أشكال الدعم سواء الفوري أو الأسبوعي أو بعد نهاية كل وحدة دراسية. فما الحاجة يا ترى للدعم الليلي؟  
الجواب واضح كشمس نهار يوم صيفي وهو الربح المادي والجشع والطمع. فأصحاب الدروس الخصوصية يحصدون أرباحا خيالية صافية من الضرائب، سواء أشخاص أو مؤسسات فقد يصل ثمن الساعة الواحدة لأكثر من 200 درهم. 
هذا الربح الكبير أعمى بعض ضعاف النفوس ممن صاروا يبتزون التلاميذ ويشترطون عليهم حضور دروس المراجعة كشرط للحصول على نقط جيدة. حينها يجد الآباء أنفسهم مكرهين للدفع كأن فلذات أكبادهم محتجزون عند أستاذ يطالبهم بفدية. 
هذا الوضع تسببت فيه عدة معطيات أهمها اعتماد النقط العالية كمعيار لولوج المدارس الكبرى التي تضمن نسبيا مستقبل من يتم قبوله بها، إضافة إلى محدودية الولوج لهذه المؤسسات واقتصارها على أعداد قليلة. وبالتالي فلا وجود لتكافئ الفرص الذي تتغنى به الجهات المسؤولة عن القطاع وما ذلك سوى شعار رنان. 


ومن جهة أخرى فإن التجارة ومنطق الربح عندما اكتسح التعليم كسرطان قاتل أثر بشكل كبير على جودة الخريجين من المعاهد والجامعات، فكثير منهم تحصل على نقاط عالية بعد أن أدى ثمنها غاليا، فهي إذن لا تعكس مستواه الحقيقي.
 وبإلقاء نظرة على النماذج الناجحة في ميدان التعليم بالعالم كالدانمارك أو اليابان فلا وجود لشيء إسمه دروس خصوصية تستوجب الأداء ! فهل نظامنا أكثر تطورا ونجاحا من هؤلاء ! 
واليوم يجب علينا جميعا،كل من جانبه أن يحارب الظاهرة سواء بالامتناع عن حضور تلك الدروس الربحية والاكتفاء بالحصص الرسمية مع الاجتهاد الشخصي في البحث والتحصيل، كذلك يجب على السلطات أن تضرب بيد من حديد كل مخالف للقوانين في هذا الباب فهو أحد أشكال الريع والفساد والضحية دائما هم  المواطنون.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة