هل سقط الصحافيون في فخ ''اليوتوب'' ؟
هل سقط الصحافيون في فخ ''اليوتوب'' ؟

 
أستهل هذا الرأي المتواضع من آخر تصنيف عالمي لحرية الصحافة، الذي قيم ظروف ممارسة النشاط الإعلامي في 180 دولة، والذي وضع المغرب بالمرتبة 135. على غير ما قد يعتقد البعض، فهذه المرتبة جيدة نسبيا بالنسبة للمغرب وذلك لأن كل دولة لها خصوصياتها. وعلى سبيل المثال لا الحصر فالمملكة العربية السعودية جاءت في المرتبة (166). فهل ذلك يعني انعدام حرية الصحافة بها؟ أم أن التصنيف تأثر بالمواقف الدولية من نزاع السعودية واليمن؟ 
وفي المغرب مثلا لا يعقل أن يعرض الإعلام محتويات إباحية في إطار تحقيق أو روبورتاج أو نشر آراء تدعو للخروج عن الدين الإسلامي تحت غطاء "حرية الصحافة" فهل يأخذ التصنيف الدولي كل هذه الخصوصيات بعين الاعتبار؟ 
لا يختلف اثنان على أن حرية الصحافة محدد رئيسي في ديمقراطية الدول وتقدمها. لكن عن أي إعلام نتحدث ؟ 
صحيح أن تطور وسائل الاتصال دفع بالمشهد الإعلامي المغربي إلى طرق جديدة، مبتكرة وسريعة، وعلى رأسها مقاطع من صنف (talk show). 
بمعنى أنه عوض المقال أو التنقل للأستوديو من أجل التسجيل، يمكنك كبس زر "اللايف" من أريكة بالمنزل باستخدام موقع " فيسبوك" أو"يوتوب". من جهة أخرى تستفيد من تفاعل مباشر لمن يشاهدك ويتوفر لديك كم هائل من المعطيات حول نسب المتابعة والتفاعل وغيرها... هذه المعطيات من شأنها المساعدة في تصويب الأفكار وإرضاء الجمهور. 
لكن ومع الأسف، وعلى غرار السياسيين أصبح بعض الصحافيين رهينة لدى متابعيهم، أحيانا يحرصون على إرضائهم ولو على حساب الحقائق. 
هذا المنزلق الخطير يسقط بقوة بالصحافة وبجودتها للقاع حيث يوجد "روتيني اليومي". 
قد يقول قائل بأن الأسباب التي تساهم في هذا الانحدار معقدة وتطرح إشكاليات كبيرة على غرار ضعف الموارد المادية من أجل تدبير مقاولة صحافية، وعزوف المواطن(المستهلك) عن قراءة المقالات، وتفضيل مقاطع مصورة قصيرة. كذلك أياد خفية تستفيد من فقدان الثقة في الصحافي، خصوصا وأن بعضهم أمسى يغير مواقفه بشكل ملحوظ، ويسقط في فخ التناقض، وهذا متوقع تماما، فكلما كان الخروج عبر "اللايف" مكثفا كلما زاد احتمال الخطأ. والأفدح أن الأخطاء تظل موثقة للأبد، مادام تم تحميلها على حوامل رقمية ك"اليوتوب" او غيره.
ولا أجد تفسيرا لكل هذه الفوضى سوى لدى عالم الاجتماع البولندي "زيجمونت باومان" من خلال نظريته حول الحداثة السائلة، حيث أن ثقافة الإستهلاك صارت هي المسيطرة. ليس فقط الإستهلاك المادي الشره، الذي أصبح لا يقاوم، بل حتى الإستهلاك المعنوي المتمثل في التمرد على القيم والأعراف. بالإضافة لسيادة الفردانية والتعصب.
 يكفي إلقاء نظرة على طاولة بمقهى يجتمع حولها أصدقاء، ستجد أن كل واحد منهم منغمس في هاتفه يسافر عبر العوالم الافتراضية ويستهلك المحتويات دون هدف محدد، مع عدم القدرة على التحكم في هذا السحر المسيطر. تجمعهم طاولة المقهى وتفصلهم أسوار وهمية عالية. 
هذا الأمر تجده في البيوت، حيث يعيش الأطفال في لوحاتهم الإلكترونية، وينعزل الزوج عن زوجته تماما، ولو جمعهم نفس السرير. ولا شيء يمكن رؤيته سوى أضواء شاشات الهواتف الذكية داخل ظلام المنازل.
هذا الظلام الروحي الذي جعل من يبوتنا أوهن من خيوط العنكبوت، من شأنه أن يلقي بالصحافة في مستنقع الرداءة والبوار.




.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة