إسدال الستار على نسخة 2022 من موسم مولاي عبد الله بحضور قياسي في عدد الفرسان والزوار
إسدال الستار على نسخة 2022 من موسم مولاي عبد الله بحضور قياسي في عدد الفرسان والزوار


اسدل الستار، الليلة الماضية، على فعاليات موسم مولاي عبد الله أمغار بحضور قياسي في عدد الفرسان والزوار، بشكل غير مسبوق، بعد سنتين من الغياب بسبب ظروف جائحة كورونا.

يعتبر موسم مولاي عبد الله أمغار من أهم التظاهرات الدينية و الثقافية على الصعيد الوطني، يُنظم منذ مئات السنين برباط تيط (مركز مولاي عبد الله حاليا) من طرف قبائل دكالة احتفاء بالولي الصالح مولاي عبد الله أمغار، حيث تتعدد فيه مظاهر الاحتفالية ما بين أنشطة دينية وفكرية وثقافية وترفيهية...

بعد أن أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل مؤخرا عن تسجيل موسم مولاي عبد الله امغار كتراث لامادي من طرف منظمة الإسيسكو، فقد صار هذا الأخير قبلة لآلاف الزوار الذين يتوافدون عليه خلال الفترة ما بين 5 و12 غشت الجاري التي تصادف موعد انعقاد موسمه السنوي.

ومما ساهم في ارتفاع عدد زوار الموسم هذه السنة، هو انعقاده بعد سنتين من التوقف جراء الأوضاع الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا.

وينظم هذا الموسم الذي شكل منذ مئات السنين موعدا سنويا لاحتفال قبائل دكالة بموسم الحصاد وملتقى روحيا للاحتفاء بالولي الصالح مولاي عبد الله أمغار، برباط تيط على ساحل المحيط الأطلسي بمنطقة دكالة، بعيدا عن مدينة الجديدة بحوالي 11 كيلومترا، على الطريق الساحلية المؤدية إلى الواليدية، حيث تتعدد فيه مظاهر الاحتفالية ما بين ألعاب الفروسية "التبوريدة" والصيد بالصقور وتراث الحلقة إضافة إلى سهرات فنية تساهم في جلب الزوار. 

و جاء تنظيم موسم هذه السنة في ظل بعض المتغيرات التي اقتصرت على إعادة طلاء الجدران والأرصفة والمرافق الصحية رغم قلتها والإنارة العمومية، و تخصيص مساحة شاسعة لأعضاء "سربات" الفانطازيا من أجل نصب خيامهم بعيدا عن خيام عامة الناس التي فرضت الجهات المنظمة نصبها بالأراضي الفلاحية المنتشرة بين منتجع سيدي بوزيد و المدخل الساحلي لمولاي عبد الله أو المعروف بمنطقة "بوسيجور" و كذا بالمخرج الجنوبي الساحلي لهذا الاخير و الذي يعرف بمنطقة "سيدي صالح".

موسم "التبوريدة" بامتياز..

بلغت عدد السربات التي حجت إلى موسم مولاي عبد الله هذه السنة 110 سربة تضم 2000 فارس وفرس، وهو رقم غير مسبوق مقارنة مع مواسم العقود الماضية.
وتنتمي هذه السربات ومنها "علفات" نسائية إلى أقاليم عديدة من مناطق دكالة وعبدة والشاوية والشياظمة...التي تشتهر بألعاب الفروسية. 
وتعتبر ألعاب "التبوريدة" من أهم الأنشطة التي يتم إحياؤها مساء كل يوم داخل فضاء يعرف باسم "المحرك"  إذ تقوم السربات في جو تسوده المنافسة الشريفة، بألعاب تثير شغف الحاضرين الذين يجدون عديد صعوبات في فرجة مريحة جراء صغر مساحة ملعب الفروسية وضعف الطاقة الاستيعابية لمدرجاته، سيما وأن حوالي 2000 فارس يتنافسون في تقديم عروض فنية متناغمة، يساهم في تنظيمها قائد المجموعة أو ما يصطلح عليه "علام السربة"، حيث يبرع من خلالها الفرسان في ركوب الخيل مع القيام بحركات بهلوانية طالما تصاحبها صرخات فريدة وإطلاقات نارية موحدة، ما يجعل زغاريد النسوة المتفرجات تملأ رحاب (المحرك).
ولم تخل ألعاب التبوريدة هذه السنة من حوادث خطيرة أبرزها إصابة طفل لا يتعدى عمره الـ 6 سنوات بضربة من قوائم فرس على مستوى الوجه، يوم الجمعة الماضي، بمدخل الملعب، ما استدعى تدخل عناصر الوقاية المدنية التي نقلته في حالة حرجة إلى المستشفى الإقليمي محمد الخامس بالجديدة من أجل تلقي العلاجات الضرورية.

ألعاب "الطير الحر"

يعتبر شرفاء  القواسم بكل من أولاد افرج وأولاد عمران بمنطقة دكالة من أهم منشطي رحلات الصيد بالصقور التي تحتضنتها فضاءات ملعب الفروسية بمولاي عبد الله، فإطلاق الصقر أو "الطير الحر" كما يحلو لهم تسميته، لاصطياد فريسته "حمامة" بدقة متناهية قبل أن تحط بالأرض، مشهد رائع يسر العديد من الناظرين الذين دأبوا على زيارة "المحرك" لمتابعة هذا النوع من الألعاب.
فشيوخ وشرفاء القواسم الذين يبدعون في ترويض الصقور يتحدون مجموعة من الصعاب من أجل الحفاظ على هذا الموروث الثقافي كرمز من رموز الهوية المحلية، إذ يضطرون إلى هجر منازلهم لمدة تمتد إلى 3 اشهر كاملة بحثا عن الصقور في مصايد معلومة بنواحي آسفي أو الصويرة لما تتوفر عليه من شعاب و وهاد تشكل فضاءات ملائمة للتفريخ وحضن البيض، مما يفرض عليهم قطع المئات من الكيلومترات مشيا على الأقدام بحثا عن الصقور بين هاته المصايد مع ما يتطلب ذلك من حذر ويقظة حتى لا تضيع منهم أية فرصة لاصطيادها خاصة وأن هذه الطيور قد أضحت في طور الانقراض.
وبعد رحلة شاقة (قد تكون خاوية الوفاض) يشرع البياز (المروض) في تدريب صقره بإسماعه صوته هو فقط، وذلك في ساعات متأخرة من الليل حيث الهدوء والسكينة ولا صوت يعلو على صوته الذي يلزم أن تحفظه مسامع الصقر قبل أن يطلقه للتحليق والعودة إلى ذراعه ثم مطاردة الفريسة في السماء والعودة بها إلى الأرض بما تخلق فرجة ممتعة لعشاق تربية الصيد بالصقور.
ومعلوم أن هذه الطيور من النوع اللاحم، ما يجعل ميزانية الصقر الواحد تناهز 1500 درهم في الشهر من اللحوم الحمراء التي يتغذى عليها، ما لم تكن هناك أية مساعدة من الصيد الموازي وهو ما يدفع البياز في العديد من الحالات إلى إطعام صقره باللحوم بدلا من إطعام أبنائه.
غير أنه، وإذا كان الشرفاء القواسم قد عضوا بالنواجد على هذا الموروث الذي يصنع فخر ومجد قبائل دكالة ويؤثث مواسمها ومهرجاناتها، فإن تهميش الجهات المسؤولة لجمعيات مربي الصقور بدكالة سيساهم – لا محالة -  في اندثار هذا الموروث الثقافي.

فن الحلقة

يعد فن الحلقة الذي يحوّل فضاء "المحرك" ليلا إلى ما يشبه ساحة جامع الفناء بمراكش، بمثابة موروث فني يمتاز بالأغنية الشعبية والنكتة والأحكام وعبارة عن حكايات ذات مغزى عميق ورثها الخلف عن السلف حيث يقوم بإلقائها مجموعة من الرواة طيلة ليالي موسم مولاي عبد الله أمغار داخل دوائر بشرية تعرف بـ "الحلقة"، إلا أن هذا الفن شرع بدوره في الانقراض خلال السنين الأخيرة بسبب غياب رواده الذين كانوا يحولون فضاءات الموسم إلى نوع من المسرح الاحتفالي كـ "خليفة" و"نعينيعة" و"الحاج زعطوط"... ما جعل فضاء "المحرك" يتحول إلى  ساحة آمنة لحلقيات الشعوذة.

على سبيل الختم

بالرغم من ان موسم مولاي عبد الله أمغار يعتبر موروثا ثقافيا منذ عدة قرون خلت حيث يشكل على الدوام فرصة سنوية للاحتفال بموسم الحصاد لقبائل دكالة، كما يشكل ملتقى دينيا للعديد من العلماء والمادحين وأهل الذكر وحفظة القرآن الكريم، فقد بات يطغى عليه خلال السنوات الأخيرة الطابع التجاري الذي قد يساهم بتوالي المواسم في إفراغه من طابعه الأصلي الثقافي والديني...

عبدالفتاح زغادي.








.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة