سيدي بنور.. مجموعة مصالح لا مجموعة جماعات
سيدي بنور.. مجموعة مصالح لا مجموعة جماعات


عرف يوم الإثنين الماضي 29 غشت 2022 حدثا سياسيا فريدا يتمثل في مصادقة المجالس الجماعية لسبعة جماعات ترابية بإقليم سيدي بنور ( الزمامرة – الغنادرة – اولاد سبيطة – سانية بركيك – الغربية – الوالدية- العكاكشة) في دورات استثنائية في نفس اليوم و نفس الساعة (و هذا ليس مصادفة حتما)، على مشروع اتفاقية يتم بمقتضاها إحداث "مجموعة الجماعات الترابية". يقول ظاهرها بمساهمة هذه المجالس الترابية في إخراج مشاريع مشتركة لحيز الوجود.. لكن الواضح  أن إخراج هذا القرار بهذه الطريقة و بناء على معطيات أخرى لا يتسع المجال لذكرها، يؤكد أن وراءه مهندسون يحظون بالنفوذ على هذه المجالس السبعة التي تأتمر بأوامرهم، و كذا على نوع من " النبوغ" و "العبقرية" خبرناها منذ زمن ، و سنحاول في هذه المقالة إبرازها حتى لا نقول فضحها ..  
     فصحيح أن هذا الحدث تم بغطاء قانوني، ذلك أن الباب الرابع الخاص بمجموعة الجماعات الترابية و المواد المتعلقة به من المادة 141 الى المادة 148 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية 113.14 يتيح للمجالس الجماعية إمكانية تكوين مجموعة للجماعات، محددا كيفية تأسيسها و تسييرها و تكوين مكتبها و أهدافها  و طرق اشتغالها و تمويلها ...
 إلا أن المتتبع و العارف بتفاصيل و خفايا المشهد السياسي بالمنطقة، و المتأمل لمشروع الاتفاقية سالفة الذكر، يمكنه أن يتوصل بسهولة الى الخلاصات التالية:
1- يتعلق الأمر سياسيا بمحاولة طرف سياسي التعويض عن فقدان منصب رئاسة مجموعة الجماعات للإقليم، كما أنها تعني ترسيم سيطرة لون سياسي واحد ممثلا  بشخصيتين من الأعيان أثرياء السياسة ( و هذا ليس سرا لدى الساكنة) على  الشأن العام المحلي للجماعات السبعة و مقاليد القرار بالمجالس الجماعية المذكورة.. فمكتب مجموعة الجماعات سيتكون من رؤسائها المنتمين جميعا إلى حزب واحد، و بالتالي سيتم إقصاء المعارضة عمليا، وكذلك الشباب الذين صعدوا للمجالس و سببوا بعض المتاعب للرؤساء الذين استفادوا دائما فيما مضى من أغلبيات مطلقة تابعة لهم. و المثير للانتباه و السخرية و الغضب في آن واحد، أن المصادقة على هذه الاتفاقية قد تمت بالإجماع في كل المجالس، مما يعني أن المستشارين الجماعيين بمختلف تلاوينهم و حتى المنتمين الى "المعارضة" قد بصموا على قرار انهاء مهامهم و التنازل عن السلطة التقريرية  المفوضة لهم انتخابيا لمكتب مجموعة الجماعات أو بالأحرى للزعيمين المعروفين .. و هنا نطرح ألف علامة استفهام عن نضج و مسؤولية هذه المعارضة التي تخلت عن أداء دورها بعدما فوضت أمر الصفقات و القرارات لشركة التنمية المحلية و لمجموعة الجماعات...
2- يتعلق الأمر أيضا بفتح أفق جديد للتمويل، و بصريح العبارة للبحث عن الدعم و الاقتراض أساسا، و ما يتبعه ذلك من تبذير و عبث بالمال العام.. ذلك أن المتحكمين في مجموعة الجماعات، و هم الذين أغرقوا ميزانيات جماعاتهم في الديون و متأخراتها المتراكمة، بفعل قراراتهم العشوائية و تسييرهم الفاشل حتى لا نقول شيئا اخر، يمكنهم الحصول على الملايير مرة أخرى على شكل ديون من المال العام ستتحمله مجموعة الجماعات ، و هذا ما يمكن اعتباره  بمثابة خطوة "مبدعة" و "خلاقة" لإعادة فتح صنبور الديون و المال العام،  و هذه المرة ربما بصبيب أعلى ، و أرا برع ثاني.. يا للعبقرية و النبوغ !
3 - يتعلق الامر أيضا  بترسيم تحالف انتخابي، فتأسيس مجموعة الجماعات هو بمثابة إعلان تحالف مستشاري و رؤساء سبع جماعات على دعم  شخصيتين محسوبتين على الاعيان و أثرياء السياسة انتخابيا في الاستحقاقات المقبلة، و هذا يعني محاولة لحسم المعارك الانتخابية قبل مواعيدها، و إحكام السيطرة على الشأن العام المحلي .. 
4- يتعلق الأمر أخيرا بمحاولة استنساخ و فرض  نموذج فاشل  في التسيير، و تعميم  شعار غريب عجيب، لم يعرف له العالم مثيلا، تحت مسمى الرياضة قاطرة للتنمية على الجماعات السبعة، و ليس غريبا أن نرى هذا التسابق في الجماعات السبعة على تأسيس فرق للكرة في أفق جلب ملاعب ، لساكنة تنتظر التنمية البشرية الشاملة و الاهتمام بقطاعات الصحة و التعليم و التشغيل و التجهيز...
ختاما، لا بد من تأطير هذا الحدث وطنيا، فبعد حكومة ما سمي بالتناوب التوافقي، و حكومة التكنوقراط ، و الحكومة الملتحية، يبدو أن المغرب يعيش اليوم تحت حكم لوبيات المصالح، و في هذا الإطار العام المتسم بسيطرة المقاولين و الأعيان على مفاصل السياسة و الاقتصاد ، يمكننا فقط ان نفهم حيثيات تأسيس مجموعة الجماعات.. فهذا زمن المقاولين و المصالح، و انظر فقط الى تشكيلة الحكومة و البرلمان و المجالس الجهوية و الاقليمية و المحلية .. انظر كيف يقررون هنا مثلا في مصير 200 ألف نسمة يقطنون سبعة جماعات، انظر إلى حصيلتهم و شعاراتهم و أساليب اشتغالهم.. و احكم!






.

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة