رسائل في أوائل العشرينات..
" لن تنضج إلا بعد أن تشعر أن لديك الكثير من الكلام لقوله، ولكنك لست بحاجة إلى أن تخبر به احدا ". جبران خليل جبران
إن الطبيعية بيولوجية المدفونة في كل واحد منا ، تفرض علينا ما تفرض من تحولات وتغيرات في شخصيتنا ، وأسلوبنا ، و فلسفتنا في العيش ، وطريقة تعاملنا مع الآخرين، و غالبا ما تنغرس فينا مثل هذه الخصال عند وصولنا سن الثلاثين من عمرنا ، بعد أن نستيقظ من أحلامنا وغفواتنا التى كنا منصهرين فيها في سنوات العشرينات من عمرنا .
طبعا ؛ هنا لا أتحدث عن نفسى ، كونى لا زلت في مراحل متأخرة ، كي تنطبق عليهم هذه السمات ، ولازلت في سنوات همي الوحيد هو التركيز على تطوير من شخصيتى ، و الاستثمار فيها ، لما سيفيد المجتمع مستقبلا ، لكنى أتحدث من خلال تجاربى مع أناس قطعوا أشواط مهمة في حياتهم، وتعاركوا معها عركا ، ولم يستفيقوا حتى وجدوا أنفسهم ضيعوا عنهم الكثير من الأوقات ، لو استثمروها فيما ينفع في مراحل شبابهم ، لا حققوا إنجازات خيالية.
ولأن الاستمتاع إلى تجارب الآخرين ، و الاستفادة من دروس والعبر التى خلصوا إليها ، أمر يسهل علينا أن نتعامل مع محن الحياة وصعوبتها ، ونتصدى إليها بكل لباقة وعشوائية ، و أن لا نعطيها أكثر مما هي عليه ، وتجاربى من هذا الباب لا تعدى ولا تحصى ، ولو شرعت فى سردها لما انتهيت . في هذا السياق سأكتفى بسرد تجربة ظلت راسخة في ذهنى ولم تفارق مخيلتى إلى يومنا هذا ؛ أتذكر أنه في الآونة الأخيرة، وذات يوم ، جلست مع أحد رجال الأعمال الناجحين في ميدان التجارة والتسيير ، يبلغ من السن عتيا، ممن تظهر عليهم علامات الرقي ، والانضباط في برامج أعمالهم ، نقشنا مواضيع مختلفة في شتى ميداين الحياة، الاقتصادية والثقافية والسياسية . وعند إنتهاء من محادثنا، خلص كلامنا بقوله : إسمع يا سعيد، كل ما عليه الان، لا أفتخر به أبدا ، كل أموالى ومشاريعى وإسثتمارتى ، ورثتها عن أبى ، ولا علاقاتى لى بى هذا الميدان ، فأيامى كلها سخرتها في سبيل الضياع ، وإعطاء قيمة لأناس لا قيمة لهم .
وأردف ؛ ياا سعيد..! سنعيش حياتنا مرة واحد فلنستغل لحظاتنا ونعيشها بكل جوانبها .
منذ ذلك الوقت و كلامه لم يفارق ذهنى ، ففي كل مرة أقضى فيها بعض أغراضى والتزاماتى ، أجدنى أفكر في كلامه بكل شغف، وما الذى كان يريده ان يصله لى. هل المستفاد من كلامه ؛ أن لا أقع في فخ ما وقع فيه ؟ وأن أسارع في تغيير فلسفتى و التفكير في نظام آخر ، غير الذي أنا عليه الآن ، كأي شاب في سنى ؟ . ولأن نصائح الآخرين ، قد تكون مفيدة لنا ، خاصة إذا كانت من أشخاص يعتبران نمودجا فعليا لما يقولون ، وشهد لهم أقرانهم بالتمييز و الكفاءة ، فقد التزمت بنصيحته ، وعملت على تطويرها ما أمكن ، لأخد مسار مختلف عن المسار العشوائي الذي يتبانه أغلبية الشباب في هذه المرحلة ، خاصة وأنها مرحلة حساسة ، يصعب التصرف معها بأي طريقة كانت ، إن لم تكن مدروسة ومخطط لها .
والذي خلصت إليه من كل ما سبق أن الناس لم تستوعب النهج والنظام الجديد الذي اتبعته في مسايرة حياتى ، خاصة أقرابى وأصدقائي، لكونهم تعودوا على النظام التقليدى القديم المبنى على خرجات يومية ، مشاهدة مباريات كرة القدم ، إستماع إلى نكتاث سخيفة ، وغيرها من الأنشطة الاخرى ، مقابل نظام جديد مختلف كليا عن سابق : التزام البيت ، السعي إلى تحقيق قدر من اللذة العقلية والفكرية، التي تحصل بالبحث والتثقيف والقراءة المستمرة، تجاهل مواضيع لا تستحق الانخراط فيها .......
وختاما ؛ ستجد أناس ينتقدونك ويتمردون عليك بشتى أنواع الطرق ، لأنك غيرت من أولوتك وأهدافك ، و ابتعدت من نظامهم الذي لا يغنى ولا يسمن من جوع ، فمن يعول على الآخرين لبناء ثقته بنفسه سيكون مآله الاحباط تلو الاحباط، لأن من شأن الناس أن لا تكون محايدة ولا موضوعية ولا عادلة. اختر طريقة بنفسك، ظروفك الشخصية الصعبة هي معركتك لوحدك، لا تعول فيها على أحد؛ لن يخرجك أحد من مأزقك الشخصية؛حياتك بكل جوانبها الحسية والمعنوية، الجسدية والروحية، هي مسؤوليتك ومهمتك، فلا تليق بها على أحد...
سعيد المعزوزي
طالب بجامعة شعيب الدكالى
.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة