-
فوضى ''الدراجات النارية''.. تحد وعبء ثقيل على الشرطة والدرك بإقليم الجديدة
بحلول فصل الصيف والاصطياف، تصبح عاصمة دكالة وجهة مفضلة يقصدها الزوار والسياح، من داخل وخارج أرض الوطن، حيث تتضاعف أعدادهم ثلاثة أو أربعة مرات، للشواطئ الخلابة التي يزخر بها إقليم الجديدة. واقع لا يمر ولا يمكن تصوره دون بروز ظواهر تشكل تحديا وقلقا للقائمين على تدبير الشأن العام، وللسلطات الشرطية والدركية بالمجالين الحضري والقروي، من ضمنها إقبال بعض الشباب الطائش، أغلبيتهم من "ولاد الفشوش"، على سياقة الدراجات النارية، سيما من نوع c90 و c50، وغيرها ذات سعة 49 سم، بتهور وجنون، لإثبات "الأنا" و"الفرعنة". * شباب طائش ومتهورعلى غرار جهات وأقاليم ومدن المغرب، فإن ظاهرة سياقة "دراجات الموت"، قد أضحت تكتسح بشكل مقلق شوارع مدينة الجديدة ومنتجع سيدي بوزيد، الكائن حوالي 5 كيلومترات جنوبي عاصمة دكالة. إذ يعمد بعضهم، في "تحد للموت وللقانون"، كما لوحظ على طول الكورنيش، وفي الشوارع وملتقيات الطرق، إلى السياقة بسرعة جنونية وبشكل استعراضي وبهلواني، دون اكتراث للعواقب غير المحسوبة، ودون حماية حتى لأنفسهم، بوضع الخوذة الواقية، واحترام إشارات المرور، والسبر في الاتجاه الممنوع، وركوب ثلاثة أشخاص على وسيلة واحدة. هذا، فيما يعمد آخرون إلى الاستفزاز أو الاعتداء على المتدخلين الأمنيين، الساهرين، عند نقاط المراقبة والسدود "البارجات"، المقامة على المحاور الطرقية، على تنظيم حركات السير والجولان، كما وقع في الدارالبيضاء لعناصر شرطية بالزي الرسمي، في مشهد وثقت له بالصورة كاميرا هاتف نقال. ما أفضى إلى تحديد هوية شرذمة المنحرفين، وإيقافهم، وإحالتهم على النيابة العامة المختصة. كما أن بعضهم سرعان ما يقومون بتغيير مساراتهم الطرقية، في الاتجاهات المعاكسة والرجوع من حيث كانوا قادمين، عندما يجدون أنفسهم ودراجاتهم على بعد أمتار من دوريات المراقبة الطرقية، التي لن تتهاون في تحرير محاضر المخالفة، وحجز الدراجات المخالفة للقانون، لإيداعها في المحجز (الفوريان)، سيما في غياب توفرهم على الوثائق الضرورية وشهادات التأمين، وكون دراجاتهم النارية قد يكون مشكوكا في مصدرها، وغالبا ما تكون معدلة ميكانيكيا، من أجل السرعة والإفلات من الإيقاف، عند قيامهم بأفعال إجرامية، من قبيل السرقة والاعتداء في الشارع العام، سيما أنهم يعلمون علم اليقين أن الدوريات الراكبة والساهرين على تنظيم حركات المرور واستتباب الأمن والنظام في الأماكن العمومية، غير مخول لهم قانونا بالمطاردة، لخطورة تبعاتها، وما قد ينجم عنها من مخاطر تهدد سلامة لمواطنين ومستعملي الطريق.كما أن بعض الشباب الطائش من سائقي الدراجات النارية، باتوا ينظمون سباقات خطيرة، بغاية الظفر بمبالغ مالية، يساهمون في جمعها، على المحاور الطرقية؛ سباقات تكون عواقبها كارثية، كما حصل خلال شهري رمضان متباعدين بأقل من ثلاثة سنوات، بنفوذ دائرة عبدة، بإقليم آسفي، على الطريق الوطنية المؤدية جنوبا من جمعة اسحيم ، إلى قرية "ثلاث بوكدرة"، بعد أن نظم سائقو دراجات نارية متهورون، مباشرة بعد الإفطار الرمضاني (المغرب) ، تحت جنح الظلام، سباقا جنونيا تسبب في اصطدامات في ما بينهم، خلفت قتلى. وهي النازلة التراجيدية، سباق الدراجات النارية الجنوني، التي تكررت، بين السائقين المتهورين، بالطريقة ذاتها، شهر رمضان الماضي، بإقليم آسفي، وتحديدا على مقربة من دوار "المصابيح"، بالجماعة الترابية المصابيح؛ إذ لقي شاب في مقتبل العمر مصرعه بشكل مأساوي. ودائما في المنطقة ذاتها، وتحديدا في مركز الجماعة الترابية، عاينت الجريدة مؤخرا، مرات متتالية، شبابا طائشا، وهم يقومون، مع اقتراب غروب الشمس، بسياقة دراجاتهم النارية، بشكل جنوني واستعراضي، يشكل خطرا محدقا على السلامة الطرقية والجسدية للمواطنين. وبالمناسبة، فإن العشرات من هذه الدراجات النارية، المشكوك في مصدرها، والتي غالبا ما لا يتوفر سائقوها على شهادة التأمين، وهذه رسالة "غير مشفرة" لمن يهمه الأمر ، تصطف أمام المقاهي، التي أضحت، دون حسيب أو رقيب، مرتعا لتعاطي واستهلاك المخدرات (مخدر الشيرا – الكيف..). ما بات يستدعي تدخل القيادة العامة للدرك الملكي، للتسريع بإخراج مقر الدرك الملكي بمركز جماعة لبخاتي، بإقليم آسفي، إلى الوجود، بعد أن طال انتظاره، والمبرمج، من باب التذكير، منذ حوالي 15 سنة، والذي كاد يطاله النسيان.* تعبئة الشرطة والدرك بإقليم الجديدةعلى إثر السلوكات والتصرفات الطائشة التي ما فتئ يبين عنها المتهورون من سائقي الدراجات النارية، وما يتسببون فيه من عرقلة لحركات السبر والجولان، وفي مخاطر تهدد السلامة الطرقية والجسمانية، غالبا ما تنتهي فصولها المأساوية والدموية في قسمي المستعجلات والإنعاش، أو في مستودع حفظ الأموات، وكذلك في مخافر الشرطة والدرك، حيث تنجز الضابطة القضائية، صاحبة الاختصاص الترابي، مساطر جنحية مرجعية، تحيلها على النيابة العامة المختصة، ولمكافحة هذه السلوكات الطائشة، تعبأت المصالح الشرطية والدركية، على التوالي لدى القيادة الجهوية للدرك الملكي للجديدة، والأمن الإقليمي للجديدة، بتسخير مواردهما البشرية والمادية واللوجيستية، وبتكثيف حملات ودوريات المراقبة في الشوارع والمحاور الطرقية، بالمجالين الحضري والقروي.ففي مدينة الجديدة، ثمة عدة دوريات شرطية تابعة لفرقة الدراجات النارية، تنتشر في نقاط ومحاور وأماكن مختلفة، ترافقها سيارة الإغاثة(dépannage) ، تعمل جادة وجاهدة على ضبط المخالفات والمخالفين، وكبح جماح السلوكات والتصرفات الهمجية لبعض مستعملي الدراجات النارية، شأنها في ذلك شأن الدوريات الدركية، بمنتجع سيدي بوزيد، والتي تتشكل بالمناسبة من عناصر المركز وعناصر كوكبة الدراجات النارية لدى جهوية الجديدة، الذين لا يدخرون جهدا في التصدي للمخالفين، بوضع نقط مراقبة ودوريات متنقلة، راكبة وراجلة. وقد ابانت المجهودات المبولة من طرف الشرطة والدرك بالجديدة، جراء الانخراط الفعال والجاد للمؤسستين في عملية المراقبة المستمرة واليومية، وبلغة الإحصاءات والحصيلة، عن ضبط ما بين 40 إلى 50 ناقلة (دراجة نارية)، مخالفة في اليوم.* محدودية نجاعة التدخلات الأمنيةجراء جحافل الدراجات النارية، لم تعد مراقبتها من قبل رجال الشرطة والدرك، للحد من المخالفات التي يتسبب فيها بعض السائقين المتهورين، من خلال إجراءات زجرها بأقل الأضرار، (لم تعد) بالأمر الهين، لصعوبة وخطورة عملية المراقبة؛ ما يحد من نجاعة التدخلات الأمنية. الأمر الذي أصبح يستدعي، من جهة، عدم التساهل في الإجراءات الإدارية والمسطرية المتعلقة بسهولة اقتناء دراجة نارية، وإدخالها عبر المعابر الحدودية، وبالفحص التقني، وبتسجيل الملكية، ومن جهة أخرى، تشديد العقوبات الزجرية، عند ارتكاب أي فعل سياقة متهور، تترتب عنه خسائر في الأرواح أو إصابات جسمانية أو مادية جسيمة، وذلك من خلال مراجعة وإعادة النظر وتعديل مقتضيات مدونة السير على الطرق، بشكل يضمن الردع، على غرار الفصل 507، المعدل في القانون الجنائي، والذي أصبح كابوسا، يجعل المنحرفين يفكرون أكثر من مرة، قبل أن يقدموا على ارتكاب فعل جرمي بواسطة السلاح الأبيض (سكين – آلة حادة..). * التشدد في العقوبات والإجراءاتأفاد مسؤول أمني أنه أصبح من الضروري مساعدة الأجهزة الأمنية، التي تعمل على تنفيذ وإنفاذ القانون، وذلك بمراجعة المواد القانونية لمدونة السير، الخاصة بالدرجات النارية، وذلك بسن وتشريع عقوبات مشددة على المخالفات المرتكبة، حسب درجة خطورتها، مع فرض وتأكيد الوضع بالمحجز (الفوريان)، في جميع المخالفات، والزيادة في مدة الحجز المنصوص عليها، مع إدخال ترقيم الدراجات المخالفة ضمن تطبيقات مكاتب التسجيل لدى وزارة النقل، وليس الإبقاء عليها في مركز الفحص التقني، حتى يتسنى للجهات المعنية والمختصة، المنفذة للقانون، التنقيط (le pointage)، مع ضبط وإحضار الهاربين من المراقبة، عند النقاط والسدود الأمنية، الشرطية والدركية. * شأن عام.. توعية وتحسيسلقد بات من الضرورة والضروري تظافر جهود ومجهودات المتدخلين، من سلطات وأسر ومؤسسات تربوية، ومجتمع مدني، بغية التحسيس والتوعية بشأن مخاطر الدراجات النارية، وجعلها شأنا عاما ومسؤولية الجميع، دون أن يبقى ذلك مقتصرا ومحدودا فقط في الأجهزة الأمنية.وبالمناسبة، ستنجز الجريدة ربورطاجا صادما حول "فوضى التروتينيت"، التي باتت ظاهرة تكتسح الشوارع والمحاور الطرقية، وحتى ممرات الراجلين، ينتقل ويتنقل على متنها أحيان بشكل عمودي، أزيد من شخص واحد (واقفين)، دون حسيب أو رقيب؛ حيث إن سياقتها لا تخضع للقانون، على خلاف الدول الأوربية، التي سنت تشريعات خاصة، يصبح معها ممكنا وناجعا زجر وردع المخالفين ومخالفات هذا النوع من وسائل النقل والتنقل، التي يتعين تخصيص مقتضيات تشريعية بشأنها في مدونة السير المغربية.
-
التبوريدة بموسم مولاي عبد الله امغار، ميراث ثقافي من الأب الى الابن.. عائلة بلفاضلة نموذجا
بعد نهاية حصاد الموسم الفلاحي و في أول يوم جمعة من شهر غشت يشتد اهتمام المولوعين بالتبوريدة و الحفلات بموسم مولاي عبد الله أمغار، الذي فاق زواره هذه السنة 500 ألف زائر من داخل و خارج المملكة و عدد الخيالة فاق 1800 من 126 "سربة" حسب الإحصائيات الأولية، خاصة أن هذا الموسم له مجموعة من الطقوس و الدلالات التراثية العميقة كترويض الصقور و التبوريدة كدلالات تراثية عميقة للموروث الثقافي العربي.و يرجع فن الفروسية التقليدية أو "التّبُوريدَة" بالمغرب إلى القرن الخامس عشر الميلادي، و ترجع تسمية التبوريدة إلى البارود الذي تعمر و تطلقه البنادق أثناء التبوريدة، و لممارسة التبوريدة أصول وقواعد عريقة ذات الطابع البدوي.و لفن "التبوريدة" وصلات رمزية مختزلة في طقوس اللباس و الرَّكْبة عند كل جهة من جهات المملكة، كما لها ضوابط يتحكم فيها كل من المقَدَّم و العلام و شيخ السَّربة. و لأصحاب "التبوريدة" طقوسا عريقة و وراثية مرتبطة بتقاليد وعادات تجمع بين المقدس والدنيوي، تصاحبها مجموعة من الأذكار و المواويل والصيحات التي تصور مواقف البطولية و المعارك و تمجد الفارس و الفرس خصوصا عندما ينتهي العرض بطلقة موحدة.ويؤدي فن "التبوريدة" فرسان، حدد عددهم هذه السنة في أكثر من 15 فارس في السربة، ينظمهم شيخ مسن و رئيس فرقة يدعى "العلام" و مقدم السربة يردد عبارات تذكر بالمعركة أو "حَرْكة الجهاد"، تابعين في ذلك إشارة "العلاّم". و فن "التبوريدة" يحتاج إلى تدريب كبير ومستمر من أجل ترويض الجواد على دخول الحلبة في مواجهة العدو. ويكون "العلام" هو المسؤول عن تنظيم السربة من خط البداية إلى إعطاء إشارة الانطلاق و إشارة السيطرة على الجواد، ثم إشارات أخرى ' الهَزّة ـ الحَطّة ـ الخرطة ـ الضَّربة ' بلغة الخيالة، و تكون الإشارة النهائية هي إطلاق الطلقة الموحدة أمام الجمهور.و يؤكد د. عبدالإله بلفاضلة عن سربة أولاد غانم بأنه ورث "فن التبوريدة" عن شقيقه الاكبر العلام رشيد بلفاضلة الذي ورثها عن والدهم الحاج عزوز بلفاضلة.وكما هو الشأن بالنسبة لابن اخيه مصطفى بلفاضلة التي ورث ''فن الفروسية'' من والده العلام رشيد بلفاضلة فانه، يضيف عبد الاله، بصدد تلقين إبنه فهد الذي يقارب عمره الثلاث سنوات نفس الموروث الثقافي و ذلك حفاظا على هذا الرأسمال اللامادي الذي توارثوه عن أجدادهم.و في سؤالنا عن عادات الخيالة في الموسم للحاج عزوز الذي عمره اليوم يناهز التسعين أجاب عبد الاله بأن أول تبوريدة له كانت سنة 1960، و أن في زمنه كان احترام الفرس و عادات الفارس و و أوامر المقدم و تعليمات العلام واجبة ليس كما هو عليه الحال الآن.و استرسل قائلا بأنه كان في الصباح أول ما يقوم به هو الوضوء و الصلاة و تناول فطور خاص، ثم غسل الفرس و إعطاؤه الماء و العلف ثم مراقبة صفائحه و حالته، ثم تهييء الملابس ' اتماك أو البلغة ـسروال قندريسي ـ فراجية ـ تشامير ـ جلابية ـ سلهام أو الحايك ـ عصابة ـ ــدليل الخيرات ـ الخنجر '. و للإشارة فلون لباس الفارس عادة يكون أبيض كلون الكفن، لأنه يقال بأن الفارس و قت التبوريدة قبره مفتوح.تكريم العامل زلو لمصطفى بلفاضلة في سنة 2005 بعد فوزه بميدالية ذهبية بدار السلام
-
قصبة بولعوان.. معقل السلطان مولاي إسماعيل يتعرض إلى التهميش والجحود ومحاولات يائسة للترميم
ليست بولعوان بحاجة إلى أن يتردد اسمها بفعل تفكيك خلايا مسلحة، ولا أيضا بنبيذها المعتق الذي سارت بذكره الركبان، وإنما شهرة المنطقة تستمدها من قصبتها التاريخية التي تربو عن 300 سنة تختزن جزءا هاما من الذاكرة المغربية المشتركة. قصبة بولعوان التي تلوح فوق ربوة عالية، الآن عبارة عن أطلال تشهد أن التاريخ مر في يوم ما بهذا المكان الذي تنتهك رمزيته بشكل متواصل في أبشع صور الإهمال.تقع القصبة على بعد مسيرة 85 كيلومترا جنوب شرق الجديدة في بلاد قبيلة أولاد افرج. ذكرت المصادر أن بناءها تم على يد السلطان مولاي إسماعيل في 1122 هجرية الموافق لـ1710 ميلادية على يد وصيفه السعيد الباشا عثمان بن الخياط. وتذهب مصادر أخرى إلى القول إن القصبة بناها عبد المومن الموحدي وأنها هدمت بالغزو البرتغالي وأعاد المولى إسماعيل بناءها من جديد، في إطار سياسة القصبات التي تروم خلق حكم مركزي قوي عبر اتخاذ القصبة كيان مراقبة القبائل والتصدي لعصيانها، وفي هذا الصدد شيدت قصبة بولعوان في مكان عال مطل على نهر أم الربيع، لضبط تحركات ثلاث وحدات قبلية هي دكالة والشاوية والرحامنة.واقع الحالمن بعيد تظهر القصبة هائلة البنيان عبارة عن أطلال تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد، شاهدة على اندثار باب السر والبرج الكبير والحصن الأمامي والأبراج الأربعة والمنزل الفسيح الذي نزل به الملك العلوي مولاي عبدالله سنة 1744 عندما طارد أخاه المستضيء.وأنت تتجول في القصبة المستطيلة الشكل، تصادفك حفر هنا وهناك، يشرحها حارس القصبة، بمسلسل انتهاك حرمتها من قبل عصابات الكنوز.فلم تعد القصبة بمثل شموخ الماضي، بل تناثرت حجارة أسوارها في أكوام، هي وبكل تأكيد شهادة وفاة لها باعتبارها واحدة من أهم القصبات التاريخية ببلادنا.حديث عن الترميمفي صيف 1994، أطلق إدريس البصري، وزير الداخلية الأسبق من مقر عمالة الجديدة، صيحة مدوية لترميم القصبة، ربطها بنيته في ضمها إلى النفوذ الترابي للشاوية وهي نيته نفسها لإضافة البير الجديد إلى تراب سيدي رحال، لكن الوزير القوي يومذاك لم يلمس ترحيبا من أهل دكالة، فتحول الترميم إلى مجرد مشروع موقوف التنفيذ لم يراوح مكانه منذ 23 سنة، رغم أن قصبة بولعوان صنفت تراثا وطنيا بواسطة ظهير صدر في 11 مارس 1924 بالجريدة الرسمية عدد 599 بتاريخ أبريل 1924.ويستنهض جمعويون بعض الهمم للدفاع عن تصنيف القصبة تراثا إنسانيا لعله المسلك الوحيد الذي يتم العبور من خلاله نحو إعادة الاعتبار لها.الثقافة والتجهيز غائبانفي الوقت الذي حظيت قصبات أخرى في مناطق بالجنوب المغربي خاصة بالتفاتات، قومت واقعها بتدخلات مدروسة علميا حتى لا تسيء بعض مبادرات الترميم للطبيعة الأصلية لها، اعتمدت بعض الترميمات الجزئية التي عرفها سقف المدخل الرئيسي لقصبة بولعوان على الإسمنت، ما أساء لقيمتها التاريخية.وتظل وزارة الثقافة ووزارة الاتصال والتجهيز والنقل أكبر القطاعات الحكومية التي أدارت ظهرها للقصبة، الأولى من منطلق أنها لم تنقل وعود الترميم من حالة السكون إلى الحركة بمبرر أن وزارة الثقافة تعد من أفقر الوزارات، والثانية ساهمت بعدم التعجيل بإصلاح الطريق الرابطة بين الجديدة وبولعوان التي تدهورت بشكل كبير، ما أضعف توافد زوار وسياح كانوا يتملون بطلعة القصبة، كما أن مندوبية عبد العظيم الحافي رفعت علما أبيض في وجه معتدين خربوا غابة بولعوان المترامية الأطراف، برعي جائر وبتقطيع خشبها لأغراض متعددة منها التدفئة وتسخيرها في الأفران والحمامات.وصمة عارفي ما يشبه الختم ونحن نستعد لمغادرة القصبة توقفت سيارة ذات لوحة صفراء تابعة إلى إحدى البعثات الدبلوماسية، ترجل منها أجنبي ومرافقته، وجها تحية إلى حارس القصبة وبادره الأجنبي بالقول متأسفا ” نحن الآن لا نستمتع بالتاريخ ولكن نعاين انهيار التاريخ”.ظل رجع صدى كلمات الفرنسي يتردد بكل القصبة الخالية، وتمنينا أن يصل إلى آذان كل المسؤولين التي بها صمم. عبدالله غيتومي (الصباح)
-
مستشفى الجديدة.. استنزف 40 مليارا ويشتغل بثلثي طاقته ومواعيد تصل إلى سنة والأمن الخاص فوق الجميع
مازال رجع صدى صوت الحسين الوردي، وزير الصحة، يتردد بجنبات القاعة الكبرى لعمالة الجديدة، وهو يكيل المديح لمستشفى الجديدة، بل وعد سكان الإقليم بمروحية تحط فوق سقفه، متأهبة لتدخلات سريعة. اليوم لا يطلب أهل دكالة من وزير الصحة مروحية، بل فقط إعفاء من مواعد تصل إلى سنة، وتحسين خدمات لا تشرف مؤسسة استنزفت 40 مليار سنتيم. تاريخ المستشفى مستشفى محمد الخامس بالجديدة هو أول مستشفى بني ببلادنا سنة 1916 بحي القلعة بالجديدة، وكانت أول مديرة له هي الطبيبة "دولانوي " التي عرفت لدى أهل الجديدة ب "مدام شابو" ، تنفس سكان الجديدة الصعداء، حين وضع الملك محمد السادس في 2007 الحجر الأساس لبناء مستشفى جديد فوق أرض الحمراء بسيدي موسى بغلاف مالي وصل إلى 40 مليار سنتيم، يعوضهم عذابات مستشفى محمد الخامس، أو مستشفى "مدام شابو"، نسبة إلى أول مديرة عينت به في بداية القرن الماضي. ثلثا الطاقة فقطخلافا للمعتاد، بني المستشفى الجديد وفق نمط معماري، اعتمد على أجنحة مختصصة في طوابق وتم تجهيزه بنظام معلومياتي متطور جدا، إذ استغرقت أشغال البناء ست سنوات وفتح أبوابه للعموم في 2013.ويبلغ عدد غرف المستشفى 450 غرفة، من المفروض أن تلبي حاجيات 700 ألف نسمة تقطن الجديدة، دون احتساب سكان سيدي بنور، إذ قد يصل العدد الإجمالي إلى مليون و400 مليون نسمة، ما يفسر حجم الضغط على هذه المؤسسة الاستشفائية التي أضحت تلعب وظيفة جهوية أكثر من وظيفتها الإقليمية الموكولة إليها.ورغم العدد القليل من الغرف، لم يفهم المرضى وأسرهم سر إغلاق 150 غرفة في وجه المرضى لأزيد من 4 سنوات، بمعنى أن المستشفى الذي صرف عليه 40 مليار لا يشتغل سوى بثلثين من طاقته الاستيعابية، وهو أمر تفسره إدارته بضعف الموارد البشرية، علما أنه جرى تجميع نزلاء في أجنحة واحدة قد يعرضهم إلى عدوى أمراض منقولة. مواعد عرقوبيةتوحي بناية المستشفى الجديد أنك فعلا أمام مؤسسة استشفائية تلبي الحاجيات بالسرعة اللازمة، لكن واقع الحال عكس ذلك، فالمواعد التي تعطى للمرضى تتراوح بين 6 أشهر وسنة. ويذهل الإنسان عندما يتعلق الأمر بمرضى القلب والشرايين الذين لا تقبل أوضاعهم الصحية التأجيل، وتعلل الإدارة ذلك بأن المستشفى بدأ بـ4 أطباء لأمراض القلب تقاعد منهم ثلاثة دون تعويض، ولم تتبق سوى طبيبة مطلوب منها أن تنجز جميع العمليات لآلاف المرضى.والوضع مشابه في العمليات الجراحية التي تطول مواعدها. فمن أصل خمسة جراحين، غادر أربعة في ظروف مختلفة، بينما يؤمن طبيب جراح الخدمات الصحية التي توشك أن تتوقف، عندما يتقاعد ممرضون مكلفون بالتبنيج، أما العمليات الجراحية المسماة بالباردة فمواعدها تتجاوز 6 أشهر بالتمام والكمال. وصمة عاررغم المجهودات التي يبذلها أطباء وطاقم توليد بالمستشفى الذي يستقبل سنويا حوالي 10 آلاف ولادة جديدة، فإن حالة القسم من الخارج توحي للزائرين أننا في محطة أولاد زيان. فالنساء الحوامل اللواتي تأخر وضعهن من ذويهن من يبيتون في قاعة يفترشون الأرض في وضعية حاطة بالكرامة، ويقضون حاجاتهم الطبيعية بحديقة المستشفى وعلى جدرانه، بسبب غياب المراحيض. الأمن الخاص هو الإدارةترتفع أصوات الكثيرين منددة بسلوك إدارة المستشفى التي تراجعت، تاركة أمر تسيير الدخول والخروج من اختصاص رجال الأمن الذين أضحوا يخلقون الجو المطير والصحو بالمؤسسة، بل في الكثير من الحالات يتجاوز البعض منهم المهمة الموكولة إليهم إلى أمور إدارية صرف، ما كان موضوع توصية من المجلس الإقليمي مؤخرا للحد من المشاكل التي يطرحها الأمن الخاص للمرتفقين، مع مطالبة الإدارة بتغيير توقيت الزيارات التي تبدأ على الساعة الرابعة عصرا ما يطرح عذابا متواصلا لذوي المرضى الذين في الكثير من الأحيان يضطرون إلى المبيت في العراء.وتفرض العادات أن يكون المستشفى فضاء محصنا من الضجيج، لكن ما يحدث بمستشفى محمد الخامس بالجديدة، يندى له الجبين فمئات السيارات مركونة بداخله ومنها سيارات نقل سري حجزت لنفسها مساحة دائمة أمام أنظار رجال أمن وشرطة مرور تقف في دور المتفرج.وتتعرض تجهيزات مستشفى محمد الخامس إلى إتلافات متواصلة لاسيما بقسم المستعجلات على مستوى الأبواب والنوافذ وغيرها، كما أن مصابيح ساحات المستشفى دائمة الانطفاء ، أمر دفع أحد المرتفقين إلى القول "لا نريد مروحية الوردي لكن نريد منه زيارة مفاجئة لإرجاع الأمور إلى نصابها". عبدالله غيتومي (الصباح)
-
ذكرى عاشوراء.. أصلها وتاريخها وما يرافقها من عادات اجتماعية ضمن التراث الدكالي والمغربي
لقد دأب المغاربة، منذ قرون خلت، خلال احتفالهم بيوم عاشوراء الذي يصادف يوم عاشر محرم، من كل سنة هجرية، على إحياء تقاليد وعادات، ذات طبيعة احتفالية، من أهم تجلياتها اقتناء الفواكه الجافة، وشراء اللعب للأطفال، وإيقاد النيران مع ترديد الأهازيج الاحتفالية من طرف الأطفال والنساء، بالإضافة إلى عادة التراشق بالماء. وهي عادات وطقوس ولتقاليد تمارس ببراءة، وان كان مرجعها هو المذهب الشيعي الذي كان منتشرا بالمغرب ، خلال القرن الحادي عشر ميلادي. كما أن ذكرى عاشوراء، هي أيضا مناسبة دينية للذكر والابتهال إلى الله.* الأصل في مناسبة عاشوراء :كان يوم العاشر من محرم ،الشهر الأول في السنة الهجرية،يوما كسائر الأيام في الإسلام، حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فوجد اليهود يصومون هذا اليوم، ولما علم (ص)أنهم يصومونه بسبب نجاة موسى عليه السلام فيه من فرعون، قال عليه الصلاة والسلام: «نحن أحق بموسي منكم» فصامه وأمر الناس بصيامه.وهكذا بقي حال يوم عاشوراء في حياة المسلمين، يوما مباركا، يصومونه شكراً لله عز وجل على نجاة موسى عليه السلام ، واستمر الحال بعد وفاة الرسول(ص)، بمرور عهد الخلفاء الراشدين من بعده، وزمن خلافة الحسن ومعاوية وبداية خلافة يزيد، إلى يومنا هذا.*تاريخ عاشوراء :تذكر كتب التاريخ،أنه في سنة 61 هـ طلب شيعة الكوفة من الحسين بنعلي بن أبي طالب ،رضي الله عنه ،أن يأتيهم لينصروه ويولوه الخلافة، فأرسل إليهم سفيره وهو ابن عمه مسلم بن عقيل ،ليستطلع حقيقة الأمر، فلما وصل ابن عقيل ، إلى الكوفة خانه الشيعة واعتقلوه ثم سلموهللوالي يزيد بن معاوية، فكان مصيره الموت، وكانت هذه أول خيانات الشيعة للحسين، ولم تصل أخبار خيانتهم للحسين إلا متأخرة، مما تسبب في تعرض الحسين رضي الله عنه لمعركة غير متكافئة مع أنصار يزيد بن معاوية الجدد وهم شيعة الحسين الخونة، فدخل معهم في معركة عرفت بمعركة " كربلاء " ضد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، واشتهر هذا اليوم بيوم ثورة المظلوم على الظالم، ويوم انتصار الدم على السيف، كما يسميه المسلمون الشيعة، و في هذا اليوم استشهد الحسين بن علي عليه السلام، بعدما رفض مبايعة يزيد بن معاوية، على أن يكون أمير المؤمنين.وقد صادف استشهاد الحسين بن علي بن ابي طالب، يوم العاشر من شهر محرم. وسمي هذا اليوم بعاشوراء، وهي عاشوراء بالمد و القصر و هو عاشر المحرم ، و هو اسم إسلامي ، و هو اليوم الذي وقعت فيه واقعة الطَّف الأليمة التي قُتل فيها الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) ، خامس أصحاب الكساء و ثالث أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) مع جمع من أبنائه و أصحابه الكرام البررة بأرض كربلاء. وهي مدينة إسلامية مشهورة تمتاز بقدسيتها و تأريخها الحافل بالأمور العظام و التضحيات الجسام، حيث شهدت تربتها واحدة من أنبل ملامح الشهادة و الفداء ألا و هي حادثة الطَّف الخالدة ، و هي تقع بالمدينة على بعد 105 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة العراقية بغداد ، و تقع على حافة الصحراء في غربي الفرات و على الجهة اليسرى لجدول الحسينية .و كانت هذه الواقعة الأليمة ،يوم الاثنين العاشر من شهر محرم سنة 61 هجرية ، الموافق لـ 12 / 10 / 680 ميلادية .و ذلك بالاستناد الى ما صرَّحت به العقيلة زينب بنت علي (عليهما السلام) فيما رُوي عنها أنها قالت و هي تصف حجم المأساة: "يَا مُحَمَّدَاهْ بَنَاتُكَ سَبَايَا وَ ذُرِّيَّتُكَ مَقْتَلَةً تَسْفِي عَلَيْهِمْ رِيحُ الصَّبَا وَ هَذَا حُسَيْنٌ مَجْزُوزُ الرَّأْسِ مِنَ الْقَفَا مَسْلُوبُ الْعِمَامَةِ وَ الرِّدَاءِ، بِأَبِي مَنْ أَضْحَى عَسْكَرُهُ فِي يَوْمِ الْاثْنَيْنِ نَهْباً".كما ورد في كتاب " اللهوف على قتلى الطفوف":للسيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحسيني ، الصفحة 133. *الاحتفالات بعاشوراء في المغرب عموما ودكالة خصوصا :استنادا إلى المذهب السني بالمغرب، فان المسجد والمنزل و المقبرة، أهم الفضاءات التي تشهد احتفالات عاشوراء، وتصاحب هذه الاحتفالات، ممارسة الطقوس المستحبة بهذه مناسبة ، كالصوم والصلاة وصلة الأقارب وزيارة العلماء والصدقة على اليتامى وزيارة المرضى وتلاوة القرآن والاغتسال والاكتحال وإخراج الزكاة والتصدق بالطعام وغيرها من الطقوس الموروثة عن السلف.وتبقى الفضاءات العمومية، بجميع المدن المغربية أيضا مكانا ، يشهد إقامة التظاهرات والمهرجانات والحفلات والطقوس، حيث يشارك الجميع من أطفال ونساء ورجال ويتقاسمون الأدوار التي تستدعيها تلك الحفلات والطقوس. * الاحتفالات بمنطقة دكالة :تبدأ استعدادات الدكاليين بإقليم الجديدة، لتخليد يوم عاشوراء ، مع فاتح السنة الهجرية ( فاتح محرم )، حيث تنتشر محلات بيع الفواكه الجافة، وخصوصا التين والتمر والجوز والحمص والحلوى ... ولعب الأطفال، من مسدسات مائية وأواني و"طعاريج" ودمى وغيرها من التي يقبل عليها الناس من مختلف الأعمار، مما يخلق رواجا تجاريا ولو مؤقتا ينعش التجارة.وللأطفال طقوسهم الخاصة بعاشوراء ، حيث انه منذ فاتح محرم يتجند الأطفال لتجميع الأشواك والحطب و العجلات المطاطية استعدادا لإشعال النار ليلة التاسع من هذا الشهر، حيث يتحلق حولها الكبار و الصغار الذين يشرعون في القفز فوقها في جو تسوده الندية. وقبل ليلة عاشوراء بيومين ،تظهر شخصية "بابا عيشور" الأسطورية، تتغنى بها الفتيات وهن ينقرن على تعاريجهن مرددات عبارة " عيشوري عيشوري دليت عليك شعوري "وخلال ليلة العاشر من محرم يقوم الأطفال بإضرام النيران في الأخشاب وأغصان الأشجار، التي يحضرونها ويجمعونها خصيصا لهذه الليلة المتميزة عندهم، والتي ينتظرونها كل سنة بشغف كبير، وعندما يضرمون النار ،يلفون حولها مرددين بمعية الفتيان والنساء أهازيج خاصة بهذه المناسبة،ممزوجة بالضرب على الدفوف والتعاريج. غير أن بعض النسوة يستغلن هذه المناسبة بدافع الجهل، للممارسة أنواع الشعوذة والدجل، حيث ترمي بعض النسوة ،الطلاسم و قطع الأثواب و المناديل الممزوجة بمواد السحر وسط هذه النيران للنيل من قوة الرجال و تحويلهم إلى عجين طيع بين أيديهن.وفي صبيحة اليوم الموالي، يشرع الأطفال والشبان ، على حد سواء،في رش بعضهم البعض بالمياه في مهرجان مائي يطلق عليه المغاربة عموما "التزمزيمة" التي تستمر طيلة اليوم. لكن هذه العادة قد يستغلها البعض، الذي لا يحترم العادات والتقاليد ،كما ورثناها عن أجدادنا، إلى مظاهر للفوضى ،حيث تتحول إلى مطاردات في الدروب والأزقة ، من طرف شباب طائش ، قصد رشق المارة بالماء،و قد تنتهي بالشنآن و الخصام. وعندما يسدل الليل ستاره، تجتمع الأسر حول وجبة الشاي ممزوجا بتناول الفواكه الجافة وخاصة اللوز و الجوز، وتليه وجبة الكسكس المعدة بقطع اللحم المجفف المتبقي من عيد الأضحى المعروف " بالقديد "، ضمن سمر ليلي لا يخلو من متعة، حيث تجتمع العائلات وتتم صلة الرحم، باعتبارها من أهم عادات هذه المناسبة الدينية الغالية.