جامعة بدون مكتبة تتحول إلى دار العجزة!
جامعة بدون مكتبة تتحول إلى دار العجزة!

ما هو تعريف الجامعة؟ أ هي فقط مجموعة من الأقسام و البنايات التي تمنح برامج أكاديمية وتخصصات وشهادات تأهيل لولوج سوق الشغل، أم هي مركز إشعاع معرفي يهدف إلى تحسين جودة الخريجين، وتطوير الخطط والبرامج الأكاديمية؟ كيف يمكن للجامعة تقويم الذات ومواجهة التحديات بدون دعامة للبحث العلمي، أي بوجود مكتبة شاملة ذات جودة تنافسية عالية، فالمكتبة الجامعية المفروض بناؤها اليوم مطالبة بإدارة الجودة الشاملة والارتباط بالبيئة الرقمية الافتراضية، وبدون مكتبة ولو بمستوى بسيط من الجودة، سيظل إشعاع الجامعة باهتا، بل يهرَم بحثها العلمي ويشيخ، فتضعف فحولته، و قد يأخذ طريقه نحو دار العجزة.

إن الجامعة ليست سوى مجموعة من المباني تم تجميعها حول مكتبة، فبدون مكتبة ذات جودة عالية، لن تختلف الجامعة كثيرا عن دار العجزة المزمع تشييدها بالحرم الجامعي، ومن هذا المنطلق، نساءل قرار السلطات المحلية بإلغاء مشروع المكتبة أو تجاهله، ووضع مشروع لبناء دار العجزة؟ أليس هذا قرار مؤسساتي بمصادرة مستقبل البحث العلمي بهذه المدينة؟ ما هي دلالات هذا القرار وانعكاساته على الوسط الجامعي؟  ألا يكشف هذا القرار مدى إغفال رئيس الجامعة الدفاع عن مكتسباتها، واستخفاف مجلس المدينة بدور المكتبة في مستقبل البحث العلمي بهذه الجامعة؟ ما معنى إلغاء مشروع بناء مكتبة أو حتى تعديل هذا القرار باقتسام الرقعة الأرضية بين مشروعي دار العجزة والمكتبة؟ هل الأمر يتعلق بإقامة بنايات إسمنتية، أم بخلق مؤسسات مستقلة تحتاج مرافق وفضاءات ومقومات وشروط لإنجاح تجرتبتها؟

لماذا يصر المسؤولون على اقتسام المجال الجامعي واقتطاع جزء منه لبناء دار العجزة؟ ماذا قدم المجلس وعامل الإقليم من مساعدات مادية ومعنوية لبناء هذه المكتبة؟ أليس من مسؤوليات مجلس المدينة وعامل الإقليم الأخلاقية مساعدة رئاسة الجامعة في توفير أغلفة مالية لتغطية تكاليف بناء المكتبة، بالإضافة إلى الاعتمادات المالية الذاتية للجامعة، ماذا استفادت الجامعة من المقاولة المحلية في التعجيل ببناء هذا المشروع؟ فعوض الترامي على مجال الجامعة، كان من الأجدر للمجلس والسلطات المحلية مساعدتها في بناء دعامة مستقبلها العلمي

من يسير المدينة يا ترى؟ هل يسيرها مجلس، هل يسيرها عامل الإقليم، أم تخضع قراراتها لتأثير لوبيات العقار؟ إن قرار بناء  دار العجزة بحرم جامعي (campus)، في سابقة تاريخية من نوعها، تضرب بالأعراف الجامعية عرض الحائط، إذ يتضح لنا جليا أن قرارات مجلس المدينة تخضع لضغوطات لوبيات وسماسرة العقار، التي حولت مساحات خضراء ومرافق بهذه المدينة إلى تجزئات سكنية، و شوهت تصاميمها من أجل الاغتناء السريع، إذ عوض اختيار مكان مناسب لبناء دار العجزة، تم اقتراح المجال الجامعي حتى لا تتم التضحية بوعاء عقاري غالي الثمن بطريق الكولف أو مزكان مثلا، قد يسيل لعاب سماسرة العقار.

 

 

 

انظروا كيف أصبحت المدينة عبارة عن تجمعات إسمنتية تفتقد إلى الحدائق والتشجير وغيرها من المرافق الضرورية، هذا بسبب تهافت السماسرة على البقع بجميع أنحاء المدينة، فحي السلام مثلا، يفتقد إلى حدائق وساحات ومستوصفات ومدارس، كما هو الحال بمناطق أخرى. انظروا كيف تم تشييد عمارة في الزاوية المغلقة بطريق بئر انزران قرب محطة البنزين إفريقيا على أرض من المفروض أن تظل مساحة خضراء، هي عمارة من عدة طوابق تتسبب دوما في حوادث سير خطيرة، نظرا لأنها تحجب رؤية السائقين، لكن لا حياة لمن تنادي

هل يعلم عامل الإقليم ورئيس الجامعة أن الباحث الجامعي، خصوصا في هذه المدينة، قد مُسخ إلى أستاذ قرصان بامتياز، إذ يقوم بتحميل الكتب و المقالات بطرق غير قانونية من مواقع القراصنة، حتى يتمكن من مطالعتها، بينما في المجتمعات المتقدمة يتوفر الباحث على "ليسانس" ترخيص و قن سري تمنحه إياه المكتبة الجامعية للقيام بالإبحار في مواقع متخصصة تقوم بشراء حقوق الملكية وتضعها تحت رهن إشارة الباحث، كما تمكنه من معرفة وضعية المرجع داخل حقل الدارسة،َ وكم من مرة تم الاستشهاد به. نحن اليوم نعيش بدون مكتبة تتوفر على كتب أكاديمية متخصصة، تخضع لوائحها للتحيين، و حقوق رقمية لمئات المواقع العالمية مثل (EBESCO, wiley online Library, ingentaconnect)، فيمارس جلنا القرصنة العلمية، ونعلّم طلبتنا كيف يقرصنون الكتب والمقالات لقراءتها...

 

أليست هذه مفارقة يا سيدي الرئيس: نحن نسرق الكتب، ثم نزجر الطلبة إذا سرقوا منها الأفكار بدون إحالة! متى كانت السرقة تُبعَّض؟؟ كيف نمنع السرقة الأدبية وسرقة أفكار الآخرين، لكن في الوقت نفسه نستبيح سرقة الكتب والملكية الخاصة؟ سيدي الرئيس، نحن معشر القراصنة، مازلنا منخرطين أساتذة وطلبة في سرقة الكتب والمقالات عبر مواقع القراصنة على إثر غياب مكتبة جامعية تمكن الباحث من الولوج بكرامة إلى البحث العلمي. لقد سئمنا سرقة الأبحاث العلمية وقرصنتها، وهرمنا  من أجل لحظة مكتبة في مستوى تطلعاتنا، نعتمد عليها في البحث والكتابة، وتأوي الباحث القرصان المشرد بين مقاهي المدينة!

 

ذ. محمد معروف، جامعة شعيب الدكالي

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة