تحقيق حول مصايد السمك «المشكيرة» بشواطئ مدينة الجديدة
تحقيق حول مصايد السمك «المشكيرة» بشواطئ مدينة الجديدة

 

مصايد السمك «المشكيرة» بشواطئ مدينة الجديدة

 

تلوث ماؤها وشحّ  سمكها فأضحى الصيادون يطاردون لقمة عيشهم فيها  من دون جدوى

 

 

انجاز وتصوير/ محمد الماطي

ظل صيد الأسماك بمصايد «المشكيرات»في شاطئ سيدي الضاوي بمدينة الجديدة ومنذ زمان موردا هاما لغذاء الناس ومجال واسع لخلق فرص العمل ومصدرا للرزق، وقد نمت مهنة اصطياد الأسماك فيها ومورست من قبل الأجداد وتوارثها الأبناء، فكانت بمثابة شريان الحياة وشغلهم الشاغل، إلى ذلك ابتكر الإنسان الذي عاش بهذه المنطقة مند المئات السنين وقبل ظهور الوسائل التقليدية لصيد السمك هذه الوسيلة الذكية لسد حاجاته من السمك بإقامة سدود حجرية على  شكل طوق من الحجر الصخري،يثبت بطريقة محكمة ودقيقة داخل البحرفي ساحل مدينة الجديدة بالقرب من الميناء )سيدي الضاوي( وبمنطقتي سيدي بوزيد ومولاي عبد الله وسيدي عابد.

 العلم" رصد أوضاع الصيد في مصايد «المشكيرات»وأسفرت الجولة عن اكتشاف تدني حصيلة الصيد، بلغ مرحلة الانهيار التام، وسادت حالة الحزن العميق صفوف الصيادين والسكان المجاورين للشاطئ، بل سكان المدينة كلهاالذين تحسروا علي أيام زمان، أيام الرواج  والخير والبركات التي كانت تدر عليهم ما يكفيهم لمصروف شهور السنة كلها.

 

الساعة تشير إلى السابعة صباحا والبحربشاطئ سيدي الضاوي هادئ تماما، تتموج على سطحه موجات كسولة، فيما تقبع عرضه مصائد "المشكيرات"  بانتظار المد بعد مدة الجزر،صيادون قليلون جدا جاءوا في هذه الوقت الباكر للصيد، إذ في كل مرة يذهبون فيها للصيد كانوا يعودون مع الغروب وسللهم فارغة، وقد ساءت حالتهم وزاد همهم وغضبهم.. فماذا سيفعلون ؟ وقد أضحى البحر بخيلا ، حتى أن اغلب ما يتم استهلاكه من السمك في المدينة يتم جلبه من مدن أخرى، أصناف سمكية كثيرة اختفت، وأخرى تراجعت كمياتها إلى حد كبير، الشابل، لانكوس، لوما، بوشوك، الأخطبوط، بوجنيبة، القرب، الدبدوب، زريقة، الميرو، الدرعي، الشرغو.. كلها أنواع اختفت والسبب هو التلوث، فالصيد الذي كان في سنوات ما قبل التسعينيات ولى واختفى، ولم تبق منه شئ، كان الصيادون يتكلمون بألم كبيرعن أيام الصيد الماضية،  فيصفونها بذاكرة شاطئ سيدي الضاوي الجميلة التي ولت هاربة.

 

«المشكيرة»أو «البشكيرة»

هي عبارة عن حفر صخرية وعائية كبيرةمسيجة  بالصخور البحرية،  أثناء عملية المد تندفع الأسماك نحو الشاطئ وعندما تنحسر المياه أثناء الجزر تحبس الأسماك في تلك الحفر،ويصبح من السهل اصطيادها مرتين في اليوم حسب حالة المد والجزر البحري بواسطة معدات الصيد القديمة، منها الرمح ويطلق عليه الصيادون بدكالة اسم «الفيزكة»، وشبكة يدوية صغيرة يسمونها «المنديل» مربوطة بقصبتين أو عودين يحيكون خيوط شباكها ويوزعون على جانبيها الفلين والرصاصات بطريقة تقنية حتىيصلوا إلى شبكة صيد جاهزة خيوطها متينة إذا علقت بها الأسماك لا تتمكن من الفرار، وأيضا مصباح يدوي  يستخدم من مادة الكاربون كان الصيادون قديما يضيئون به ليلهم داخل المشكيرات وقد استبدلوه اليوم بمصابيح من البطاريات، و"المشكيرات"هي على شكل نصف دائرة، بارتفاع نحو متر ونصف المتر إلى نصف المتر  لتحجز خلفها مساحة من المنطقة الشاطئية المعرضة للمد والجزر، وأثناء ارتفاع المياه في المد تسبح الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى إلى داخل هذه الحواجز وسرعان ما تنحصر داخلها عند انحسار المياه أثناء الجزر حيث لا تجد طريقاً للهروب حتى يأتي الصيادون للامساك بها بشباكهم أو بحرابهم، وكان قد عثر في سواحل دكالة على عدة "مشكيرات"  قديمة جداً هدمت و مهجورةفي هوامش خط الساحل أي خط اتصال البحر مع اليابسة الى الأعماق القريبة منه، وعن طبيعة هذه المنطقة التي يوجد بها المشكيرات من الساحل البحري يقول الدكتور محمد الشعبي في بحثه حول المعطيات الجيومرفولوجية « تحكمت في تشكيل الإطار الطبوغرافي والمورفولوجي للمنطقة معطيات جيولوجية (بنيوية-صخارية-تكتونية)، لحقتها خلال الزمن الرابع عدة تطورات تزامنت مع مجموعة من الأغمار البحرية و الفترات المطيرة والبيمطيرة.  فكانت لهذه التطورات الأثر الكبير في رسم خط الساحل وأشكاله المختلفة، هذا إلى جانب أهمية الإرث المورفولوجي والتوضعات الساحلية التي تميزت هي الأخرى بطابع التنوع. أيضا ساهمت عوامل الدينامية الساحلية والقارية من جهتها في هذا التشكيل الجيومورفلوجي، مما أعطى للمنطقة خصائص إيكولوجية، جيومورفلوجية ، واضاف، «جل التكوينات عبارة سلسلة رسابية الذي توجد فوقه التوضعات البليورباعية، وتعرضت لإلتـواءات الحركات التكتونية التي همت المسيطا الساحلية خلال الـزمن الأول، وتشكلت من صخور متنوعة (الحث، الكوارتزيت، الشيست، الكلس، الريوليت والدولومي)، تنتمي في معظمها إلى الكمبري، الأورد وفيسي، السلوري والديفوني».

الى ذلك كانت هذه المنطقة انطلاقا من شاطئ سيدي الضاوي ووصولا بشاطئ مولاي عبد الله امغار المدرسة التي تدرب فيها الصيادون الدكاليون على الصيد ومنها بدأ يطور من أدواته لصيد الأسماك، فبدأ بابتكار أدوات ليخرج السمك من تلك "المشكيرات"  فأبتكر الشبك اليدوية الصغيرة وأنواع من الرمح ، أما الحفر الوعائية فيسميها أهل دكالة "المحكن"فقد تطورت من حفرة طبيعية الى مرحلة بناء سدود حجرية والتي تحولت لاحقا لما عرف ب"المشكيرة"، ومع تطور أدوات وطرق صيد الأسماك تطورت أيضا المعارف المرتبطة بها، فأصبح بمقدور الصائد أن يمارس حرفة الصيد في منطقة المد والجزر أو في عمق البحر، وعليه بدأ الإنسان الدكالي القديم بدراسة أوقات قدوم الأسماك للشاطئ والأوقات التي يتواجد فيها في الأعماق وكذلك الأوقات التي يكثر فيها، كل ذلك عن طريق الملاحظة، وأن هناك عددا من العوامل التي تؤثر على تواجد الأسماك في منطقة "المشكيرة"، لذلك قد ينشط صيادو "المشكيرة"مرتين في اليوم بحسب مواعيد الجزر وحسب الموسم.

 

أصل كلمة "المشكيرة"

 

"المشكيرة"مفرد "المشكيرات"  أو "البشكيرة "، وهناك من يطلق عليها مصطلح "سطارة"،لا توجد في القواميس العربية ولا في لسان العرب تعريف لكلمة مشكيرة ولا توجد كلمات أو تعابير مطابقة أو ذات صلة فيها، ولا يعرف أصل هذه الكلمة وان كان يرجح البعض من الصيادين بمدينة الجديدة أصلها إلى اللغة البرتغالية، وتاريخيا لا توجد مصادر يعتمد عليها لمعرفة أصول المشكيرات، وكل ما هناك بعض الحكايات الشفوية يتناقلها الصيادة وبعض من ملاكي المشكيرة، فمنهم من يقول أنها ترجع إلى العهد الروماني بالمغرب، وهناك من يرجع فرضية وجودها الى تاريخ طازوطا الحجرية بدكالة ذلك البناء الهندسي الدائري الشكل الذي ترجع جذوره إلى قرون خلت ، ومنهم من يربطها بالتواجد اليهودي بالمنطقة، فقد كان اليهود يعيشون على البحر وعملهم كان صيد  السمك وكان الابتلاء في يوم السبت حيث حرم الله عليهم فيه العمل فاهتدوا الى فكرة إنشاء "المشكيرات"التي تتجمع فيها يوم السبت ليصطادوها يوم الأحد، أما الرأي الأقرب للصواب فهو ذلك الذي يربطها بفترة الغزو البرتغالي للمنطقة حيث عمل البرتغالين بعد إنشاء قلعتهم على بناء مخازن للحبوب والماء، ولما كانت حاجتهم للسمك شديدة عملوا على بناء المشكيرات، وهذا ما يبرر تواجدها بالقرب من القلعة البرتغالية، وتم بنائها اعتمادا على عضلات الإنسان يدويا ، وكانت ملك خاص لهم، ولكن مع مرور الزمن  البعض منهاقد امتلأ بالفجوات جراء الإهمال ووقف الصيد بها، وهذه "المشكيرات" لا يوجد لها شبيه في عموم التراب الوطني المغربي ولا في اية دولة اخرى الا في دولة البحرين مع شئ من الاختلاف في طريقة الصيد ومعداته وتسمى تلك التي تبنى من الحجارة «مسكر» أو أن تبنى من السعف أوجريد النخل وتسمى «حضرة».

 

  جمع السمك من «المشكيرة»

في ساعات الفجر الأولى خرج الصياد عبد الله فرسي 60 سنة من بيته متوجهاً ساحل سيدي الضاوي حيث "المشكيرة" مصدر رزقه الوحيد منذ سنوات طويلة، وفور وصوله يعزم أمره لخوض غمار صيد  السمك بوسائله التقليدية و المتواضعة، ويبدأ بغمس شبكته  «المنديل» في "المشكيرة" محاولاً صيدها، يمني نفسه بالصيد الوفير، ولكن هيهات هيهات على هذا الحال بقى لمنتصف النهار دون استجابة منها، ليعود إلى الشاطئ لا يحمل سوى سمكة واحدة لا أكثر ولا اقل،حال الصياد عبد الله هو حال العشرات من الصيادين في هذه المنطقة بالذات، أضحت حياتهم لوحة تتداخل فيها أشكال وألوان المعاناة والقسوة واليأس ،ويروى السي عبد الله ، وهو من بين أحد أقدم الصيادين في سيدي الضاوي: «كنا نجني كثيراً من صيد الأسماك من"المشكيرة"، وكانت أفضل مهنة في سيدي الضاوي بل في مدينة الجديدة قاطبة»، ويتذكر: «كان هناك صايدون كثر لم يبق إلا القليل، تركوا عملهم في الصيد بحثاً عن عمل آخر، ويتابع صياد آخر انظم إلينا ليشاركنا الحديث لما علم بالمهمة الصحافية التي جئنا من اجلها وبحسرة قال: «كانت "المشكيرات" شاطئ سيدي الضاوي تجمع مئات الصيادين بل سكان مدينة الجديدة كلهم الذين عاشوا من الصيد الوفير براحة وسعادة على مر السنين». ويرى أن السبب الرئيس في انقراض الأسماك ومعها "المشكيرات"هو قناة الصرفي الصحي والصناعي التي ترمي بنفاياتها عرض الشاطئ،  يقول احد ملاكي "المشكيرة"أن متوسط كمية السماك التي كانت تصطاد من "المشكيرة" تتباين بالزيادة أو النقصان تبعاً لمواقيت الجزر النهار أو الليل ولفصول السنة المختلفة، حيث نجد أن في موسم الشتاء تزداد حصيلة الصيد من الأسماك بها في الجزر نهاري عنها في الجزر الليلي، بينما يحدث العكس في موسم الصيف حيث تزداد كمية الأسماك المصطادة في الجزر الليلي عنها في الجزر النهاري، كما أن هناك تقارباً إلى حدٍ كبيرٍ بين كميات السماك المصطادة في كل الجزرين النهاري والليلي خلال موسمي الربيع والخريف،ويضيف: أن الصيد عن طريق "المشكيرة"هو أسلوب قديم واستخدمها الأوائل من الآباء والأجداد،  و إن هذه الوسيلة كانت منتشرة على ساحل الجديدة الى حدود شاطي مولاي عبد الله امغار، ومع رمي المعامل لنفاياتها في الشاطئ وبالتحديد معمل الحميرة بدأت"المشكيرة" تتلاشى قبل اكثر من خمسة عشرعاما، وكان الصيادون قبل ثلاثة عقود من الزمن يمارسون صيد الأسماك بهذه الوسيلة بجانب الوسائل الأخرى، وهي سيلة متوارثة، ويتحسر صاحب مشكيرة اخرى قائلا: "من المؤسف أن هذه الوسيلة المتوارثة أصبحت في عداد الوسائل الحرفية التراثية التي أوشكت على الانقراض، ولم يعد يمارسها سوى أشخاص قلة ومنهم من صرف النظر عنها بسبب ما آل اليه شاطئ سيدي الضاوي من تلوث خطير، أتى على الأخضر واليابس"،  ويؤكد أن "المشكيرات" كانت وسيلة ناجعة لممارسة الصيد، وكانت الأسماك بمختلف أصنافها ومسمياتها تجنى في السابق عن طريقها ، ومعظم الأسماك التي تظهر بالقرب من الشاطئ كان مصيرها داخل "المشكيرات"، فقد كان الناس جميعهم بالجديدة يأكلون السمك قبل ان ينحصر على موائد الأغنياء، حتى انه وصل سعر كيلو سردين إلى 30  درهما لمن استطاع اليه سبيلا، بعدما كان بالمجان و لا يتعدى في بعض الاوقات 3 دراهم.

 

تراجع مخيف في الثروة السمكية

 

 عاد الصياد السيد عبد الله من رحلته اليومية، من احدي بشكيرات سيدي الضاوي، بسمكة واحد من نوع "حلامة"، والسي عبد الله هذا حاله كحال جميع صايدي المشكيرات سكان المنطقة المجاورة لساحل سيدي الضاوي يعتاشون من مهنة صيد الأسماك في "المشكيرات"، ويشتكون جميعهم من الشحّ في الثروة السمكية نتيجة أسباب متعددة، ليس أقلها مقذوفات المنطقة الصناعية بالإضافة إلى أن شط الشاطئ أصبح مرتعا لمكبات الأزبال والنفايات المنزلية وبقايا مواد البناء من اسمنت وجير وجبس وأتربة وأحجار التي منظرها الحالي للأسف يشوه المدينة، ثم أيضا الصيد بأعالي البحار وسرقة الرمال والقلع المفرط للطحالب كلها مجتمعة زاد في الطين بله لتهدد ما تبقى من ثروة سمكية في المنطقة، ويشكو الصياد بوشعيب، الذي عمل في تلك المهنة أبا عن جد، من التراجع المخيف في الثروة السمكية في بحر الجديدة ونواحيها، ويقول: «إن مهنتنا باتت لا تسد جوعنا كحد أدنى ولم نعد نصطاد شيئا إلا النزر القليل جدا، معتبراً أن السبب الأساسي في الشح الكبير للأسماك يعود بالدرجة الأولى إلى مكبات الحي الصناعي، وبدوره يلفت الصياد محمد إلى أن الثروة السمكية في بحر سيدي الضاوي باتت في طريقها نحو الانقراض بل إنها انقرضت فعلا ولم يعد هناك سمك للصيد، ويقول: الأسماك تتراجع يوما بعد يوم، وأصبح ما نصطاده في رحلاتنا اليومية من "المشكيرات" لا يزيد عن سمكة وسمكتين، وفي أحسن الأحوال أربعة اسماك، وأردف متأسفا، "رحم الله أيام زمان وقت لم تكن المعامل تصب سمومها في البحر، ففي سنوات السبعينيات وحتى في مطلع الثمانينيات كان الخير وفيرا، وكانت "المشكيرات" تفيض من السمك بمختلف أنواعه، وكان  ملاكي "المشكيرات" يأخذون كفايتهم ويتتركون للسكان المجاورين الفقراء منهم خاصة صيد السمك بداخلها بالقدر ما يشاءون ويرغبون"، وطالب الصياد بوشعيب من كل المعنيين، بالعمل الجاد لإنقاذ "المشكيرات" من موت محقق ومعلن، وطالب بانقاد ما تبقى من الثروة السمكية في ساحل مدينة الجديدة، وذلك من خلال إلزام المصانع على معالجة مقذوفاتها السامة والعمل على تنظيف الشريط الساحلي لسيدي الضاوي من المزابل والقاذورات ومن مخلفات المباني، وضرورة توعية السكان المجاورين بأهمية البيئة للمحافظة على الثروة السمكية بالمنطقة ، إلى ذلك يحذر صيادون آخرون من انقراض مصايد المشكيرات  في سيدي الضاويالتي هي في مرحلة الاحتضار النهائية جراء التلوث البحري ، ويقولون أن الصيد في "المشكيرات"  قبل سنوات كان مهنة محترمة ومدرة للمال، أما اليوم فشبه منقرضة، بسبب تردي وضع الصيد بشكل عام و"المشكيرات" بوجه خاص، ويقولون، انه باتت مهنة الصيد في ظل الوضع الحالي المتردي مهنة ميئوس منها، ويعقب مصطفى صياد الأسماك في المشكيرات أن التراجع الخطير في الثروة السمكية في بحر الجديدة مرده إلى جملة من الأسباب التي ساهمت في النتيجة الكارثية، مؤكداً على أن التلوث البيئي عبر مجاري الصرف الصناعي، والقلع العشوائي والمفرط للطحالب، إضافة إلى عوامل أخرى متعلقة بالمخلفات المنزلية ، أدت مجتمعة إلى انخفاض كبير في حجم الثروة السمكية، لافتاً إلى اختفاء أنواع عديدة من السمك و ثمار البحر، وناشد بوقف مقذوفات المعامل  ووقف قلع الطحالب العشوائي التي تتغذى عليها الأسماك  كما ناشد عمالة الإقليم بتنظيم يوم دراسي بالعمالة لدراسة الوضعية الكارثية للبيئة بسيدي الضاوي والتي أدت إلى انقراض دور "المشكيرات" في صيد السمك، بدوره يطالب الصياد رضى من الجهات المسؤولة اتخاذ قرارات حازمة لمشاكل تدهور البيئة السبب المباشر في انقراض السمك بساحل الجديدة، بينما يقر صياد آخر أن أعداد البشكيرات في تناقص  في السنوات الأخيرة، و أن الصيادين القدامى هم أكثر الفئات تضرراً لاعتمادهم على الصيد كمصدر أساسي للرزق، وأشار إلى أنه لم يمارس الصيد منذ فترة طويلة بسبب هجرة الأسماك الساحل الجديدي إضافة إلى انعدام وجود طرق قانونية لوقف الظلم الذي يتعرض له الصياد، في الوقت الذي يتعرض فيه لقهر مستمر بسبب التلوث يمنعه من مزاولة مهنته التي كان يعتاش منها لسنوات طوال قبل أن تعم المعضلة، ويتذكر الحاج إبراهيم الرجل المسن من مدينة الجديدة أيام الخير في شاطئ سيدي الضاوي التي كانت أسراب السمك تفد لمياهها في كل الأحجام الكبيرة، وكان الصيادون ينصبون شباكهم الصغيرة داخل "المشكيرات"ويقومون بجمع حصيلتها لبيعها بالأسواق الشعبية، وأضاف كل شئ تغير للأسوأ، وقال أن  شاطئ سيدي الضاوي تغير لونه من الزرقة إلى اللون الاسود ، مشيراً إلى أن التلوث الذي أصاب الشاطئ انعكست مخاطره عليه بحكم قرب منزله من الشاطئ، خصوصاً خلال فترة الصيف حيث تؤدي الحرارة وتيارات الهواء إلى انبعاث روائح كريهة لا يطيق تحملها، إضافة إلى انتشار البعوض والذباب، داعياً إلى العمل على إيجاد بدائل أخرى لتصريف المجاري إليها بدلاً من شاطئ سيبدي الضاوي، الى ذلك أخذ بوشعيب 39 عام يرفع نبرة صوته عاليا ً عند رده على سؤالنا حول كيفية تأثير المياه العادمة على حياة أسرته داخل منزلهم المجاور للبحر بالقول أي حياة هذه التي نعيشها، البحر تغمره مياه المجاري والصرف الصناعي و تنبعث منها الروائح الكريهة، والمسكن الذي يؤوينا بسيدي الضاوي تهاجمنا فيه البعوض بشكل كبير خلال الصيف ، متسائلاً عن فائدة تصريف المياه العادمة إلى البحر بالقرب من منطقة مكتظة بالسكان ، في الوقت الذي يفترض فيه تصريف هذه المياه إلى مناطق بعيدة . 

 

        ختاما....

 

 

أخيرا قبل أن نترحم على زمان "المشكيرات"، نتمنى صادقين سلسلة من الإجراءات لمنع رمي المواد الملوثة ، تتضمن تشريعات حمائية بيئية، وقوانين منظمة للصيد، مضمونة بحماية قانونية و بأدوات رقابة ومحاسبة جادة حازمة تمنع العبث الجاري على كل صعيد في هذا القطاع،  وعليه ثمة أكثر من سؤال يطرح: ألا يستحق سكان مدينة الجديدة  وصيادوها إعادة النظر بقرار إعادة إحياء "المشكيرات" واعادة الروح فيها مجددا؟ ألا يستحقون إنصافهم بشكل يضمن حقوقهم وكرامتهم المعيشية كمالكين وصائدين وسكان، ؟طلبهم الوحيد هو رفع الحيف عنهم باتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية، منها معالجة الحي الصناعي لنفاياته، ولا غرو أننا خسرنا ونخسر يومياً معركتنا البيئية البحرية، ونبهنا مراراً وتكراراً إلى ضرورة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثروتنا البحرية التي تكاتفت عليها أنشطة التعدي البيئي وسرقة الرمال وقلع الطحالب و نفايات المصانع والمنازل والأزبال والقاذورات ومخلفات البناء من جير واسمنت وجبس ومخلفات أضاحي عيد الكبير، وما لم ينزل به الله من سلطان في هلاك الثروة السمكية.

 

تحقيق من انجاز وتصوير الكاتب محمد الماطي

يناير 2012

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الجريدة