حي جوهرة بمدينة الجديدة : اعمى بريقه شاحنات الديباناج وسيارات الخردة.
في قلب الديناميكية المتجددة التي تعيشها المدينة، حيث تسابق السلطات الزمن لاجتثاث مظاهر التشوه والعشوائية، وتعيد رسم ملامح الجمال والانضباط، تنبثق من حي فيلات جوهرة وضعية شاذة تكاد تكون رمزاً لمعركة التنمية المستعصية. هنا، حيث كانت الطمأنينة تصافح أزقة الحي، والهدوء ينساب بين فيلاته، حول احد السكان أمام منزله مرآبا لشاحنات الديباناج العتيقة و "مقبرة للخردة" .– مُستفيداً من صمتٍ الجيران والسلطة على حد سواء – . هذه الشاحنات المهترئة، التي تشبه هياكلَ شبحيةً صدئة، لم تكتف بشغل حيز المكان، بل حولته إلى ورشة صيانة مفتوح بالنظر لحالتها الميكانيكية: زيوتٌ تسيل على الأرض كدماء المكان، وأكوامٌ من الأزبال تخلفها عمليات الصيانة المستمرة، و تزيلها الساكنة مرغمة ، ودخانٌ أسود يخنق الانفاس، وضجيج المحركات يكسر سكون الليالي. أما حركة المرور فتتحول احيانا لكابوس يومي، فالشاحنات الرابضة في انتظار المناداة لتدخل ما، تعطل انسيابية المرور، وكم مرة لجأ السكان للرقم 19 كي يفكوا العزلة عن مساكنهم.المفارقة الأقسى؟ حين تدخل المتضررون بروح طيبة، من اجل رفع الضرر، قابلهم الرجل بجدار من الجهل والأنانية: "أنا حرٌ أمام منزلي!" وكأن الملك العام حق مكتسب. وحين وجّهوا نداء استغاثة لقائد المقاطعة السابعة، كان تدخله باهتا ولم يفض لحل المشكل بقدر ما دفع الرجل للتمسك بموقفه، وزاد من استفزاز الساكنة بإضافة سيارات خردة اخرى إلى "متحفه المتنقل" الذي يشوه جمال الحي كخدشٍ قبيح على وجه المدينة.هذه ليست مجرد شكوى ضد إزعاج عابر، بل هي صرخة ضد ثقافة اللامبالاة التي تهدد مشروع مدينة الجديدة. كيف تُجتث جذور الفوضى في مكان، بينما تُروى بذورها في مكان آخر؟ كيف ننشد جمالية العيش ونحن نغمض الأعين عن صاحب منفعة يحول حياً راقياً إلى "سوق خردة" علني؟الساكنة اليوم، وهم يشهدون رياح التغيير تعصف بمعالم التجاوزات في أرجاء المدينة، يوجهون مناشدة عاجلة إلى كل ذي سلطة: كفى! فحي جوهرة يستحق أن يسترد أنفاسه من رائحة الزيوت المحترقة، وأن يُحرر من سطوة الضجيج، وأن يُنقذ من استباحة الملك العام. هذه المعركة ليست ضد شخص ، بل هي اختبارٌ لمصداقية الإصلاح، وجدارته بحماية أحلام السكان في مدينةٍ لا تتنازل عن جمالها، ولا تُساوم على راحة أبنائها.فالخرقُ الصغير قد يُغرق السفينة كاملة إذا استمر التغافل عن سداده..