مؤسسة الشاهد قطعة مركزية في تحقيق العدالة الجنائية
كرس المشرع المغربي من خلال منظومته القانونية جملة من النصوص التي تهدف إلى إضفاء الحماية القانونية على الشاهد والمبلغ عن الجرائم إدراكا منه للدور المحوري الذي يضطلعان به في الكشف عن الجريمة ومساعدة العدالة الجنائية في أداء مهامها ولتفادي ما قد يتعرضان له من تهديدات أو ضغوط قد تثنيهما عن أداء واجبهما.هاته الحماية القانونية سطرت في الظهير الشريف رقم:1.11.164 الصادر بتاريخ:19 من ذي القعدة 1432 الموافق:17 أكتوبر 2011 بتنفيذ القانون رقم:37.10 وبتغيير وتتميم القانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في شان حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين والذي يهدف تحديدا إلى تشجيع أفراد المجتمع على أداء دورهم في ترسيخ القيم الأخلاقية في الحياة من خلال التبليغ عن جرائم الفساد والادلاء بشهاداتهم بكل حرية وتجرد وضمان حمايتهم سواء كانوا ضحايا أم شهود أم خبراء أم مبلغين من كل التهديدات التي يمكن أن تدفعهم إلى العزوف عن القيام بهذا الواجب .لذلك فالحماية القانونية للشهود والمبلغين ستسهم في بناء الثقة والطمأنينة في المجتمع، كما ستشجع الافراد على المشاركة الفاعلة في مكافحة مختلف أشكال الجريمة ودعم السلطات العامة في أداء مهامها بهذا الشأن.إن التدابير الاحترازية المتخذة ترمي إلى حماية الشاهد حماية فعالة مثل: إخفاء الهوية وتوفير الحماية الجسدية وضمان السرية في الإجراءات، إضافة إلى إمكانية التبليغ عبر الخطوط الرسمية والمنصات الرقمية الوطنية من خلال:الاتصال بمصالح الشرطة عبر الرقم 19 (112 عبر الجوال).الاتصال بمراكز الدرك الملكي عبر الخط 177.الاتصال عبر الخط الأخضر للتبليغ عن الرشوة والابتزاز:05.37.71.88.88ـالاتصال عبر البوابة الوطنية للتبليغ عن الفساد: WWW.STOPCORRUPTION.MA الاتصال عبر المنصة الرقمية " إبلاغ " WWW.E.BLAGH.MA التي أطلقتها المديرية العامة للأمن الوطني المخصصة للتبليغ عن المحتويات غير المشروعة على الانترنيت.إذا كان المشرع قد أفرد مجموعة من الإجراءات الحمائية في حق الشاهد أو المبلغ عن الجرائم عبر نصوص قانونية ترمي إلى ضمان أمنه وسلامته وتشجيعه على أداء هذا الدور الإيجابي دون خوف أو تردد فإن التشريع، كذلك قد أولى هذا النوع من الأشخاص عناية خاصة فأقر مبدأ الحماية لهم مند قرون إيمانا بأهمية الشهادة والإبلاغ في تحقيق العدالة وردع الظلم والجريمة.فالإنسان وهو يؤدي الشهادة لإحقاق العدالة، إنما يحقق مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية ألا وهي الحفاظ على الكليات الخمس التي تتلخص في حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسل وحفظ المال، فالشهادة الصادقة تسهم في إظهار الحق وكشف الباطل مما يمنع الظلم الذي يتعارض مع تعاليم الإسلام كما أن التزام الشاهد بقول الحق يعد من أعظم القربات إلى الله.من هذا المنطلق اعتبر الإسلام الشهادة أمانة عظيمة بل قرنها أحيانا بمقام العبادة، وحذر من كتمانها، بل وصف من يكتمها بأنه آثم يقول جل علاه "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" (البقرة 283) وهو تحذير صريح من مغبة التستر عن قول الحقيقة لما لذلك من آثار وخيمة على الفرد والمجتمع. وبالرغم من الإجراءات المتخذة التي تهدف بالأساس إلى تعزيز انخراط المواطن في تحقيق الأمن والاستقرار إلا أن هذه المساعي كثيرا ما تصطدم بعقليات ما تزال متأثرة بثقافة النفور من السلطة وبعوائق ثقافية ونفسية متجذرة، نتيجة لعدم الاستيعاب الكامل للمفهوم الجديد للسلطة القائم على الشراكة والثقة المتبادلة بينها وبين المواطن، كما أن تلك التمثلات النمطية التي مازالت سائدة في المجتمع والنظرة السلبية لمؤسسات إنفاد القانون، تعيقان تحقيق التفاعل الإيجابي وتحدان من فاعلية السياسات الأمنية التشاركية.وإلى جانب ذلك تسهم الصور النمطية الراسخة في تكريس عزوف المواطنين عن أداء دور الشاهد أو المبلغ، حيث كثيرا ما يوصم من يقدم معلومات أو تعاونا مع السلطات بصفات قدحية مثل "خائن أو واشي" وهي أوصاف اجتماعية ذات حمولة سلبية تفضي إلى تشويه صورة المواطن وتحويله من شريك في تحقيق الأمن إلى هدف للنبذ الاجتماعي، مما يضعف مناخ الثقة ويحد من فعالية التعاون بين المجتمع و مؤسساته الأمنية. إذن فثقافة الإبلاغ والتبليغ عن الجرائم أو الشهادات التي تساهم في تحقيق العدالة، تعد من أرقى صور المواطنة، وتعتبر دليلا قطعيا على المساهمة في الإنتاج المشترك للأمن.ومن أجل أن يتمثل المواطن ثقافة التبليغ والشهادة وتحقيق الغاية الكبرى منها، لابد من تحقيق مجموعة من العوامل والشروط وتكامل أدوار مجموعة من الفاعلين من أبرزها وأهمها، التربية على القيم المدنية، والتوعية المجتمعية والاعلامية، والتبليغ السهل والآمن مع تعزبز الثقة في مؤسسات الدولة لتبديد الخوف الذي يؤدي إلى الصمت الجماعي، أضف إلى ذلك ضرورة الاعتراف الرمزي والايجابي للمبلغين الذين ساهموا في الكشف عن الجرائم ومنحهم رمزية المواطنة الفاعلة. فالمواطن يحتاج أن يعرف بأنه حلقة أساسية في المعادلة الأمنية وأن مشاركته في المنتوج الأمني لا تعرضه للخطر بل تمكنه من أداء دور إيجابي في مجتمعه، باعتباره مواطنا ملتزما بثوابت وطنه، مشاركا في تحقيق أمنه واستقراره وتنميته.الدكتور. نورالدين العمادي .. باحث في الحوار الديني والثقافي في الحضارة الإسلامية