-
مؤسسة الشاهد قطعة مركزية في تحقيق العدالة الجنائية
كرس المشرع المغربي من خلال منظومته القانونية جملة من النصوص التي تهدف إلى إضفاء الحماية القانونية على الشاهد والمبلغ عن الجرائم إدراكا منه للدور المحوري الذي يضطلعان به في الكشف عن الجريمة ومساعدة العدالة الجنائية في أداء مهامها ولتفادي ما قد يتعرضان له من تهديدات أو ضغوط قد تثنيهما عن أداء واجبهما.هاته الحماية القانونية سطرت في الظهير الشريف رقم:1.11.164 الصادر بتاريخ:19 من ذي القعدة 1432 الموافق:17 أكتوبر 2011 بتنفيذ القانون رقم:37.10 وبتغيير وتتميم القانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في شان حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين والذي يهدف تحديدا إلى تشجيع أفراد المجتمع على أداء دورهم في ترسيخ القيم الأخلاقية في الحياة من خلال التبليغ عن جرائم الفساد والادلاء بشهاداتهم بكل حرية وتجرد وضمان حمايتهم سواء كانوا ضحايا أم شهود أم خبراء أم مبلغين من كل التهديدات التي يمكن أن تدفعهم إلى العزوف عن القيام بهذا الواجب .لذلك فالحماية القانونية للشهود والمبلغين ستسهم في بناء الثقة والطمأنينة في المجتمع، كما ستشجع الافراد على المشاركة الفاعلة في مكافحة مختلف أشكال الجريمة ودعم السلطات العامة في أداء مهامها بهذا الشأن.إن التدابير الاحترازية المتخذة ترمي إلى حماية الشاهد حماية فعالة مثل: إخفاء الهوية وتوفير الحماية الجسدية وضمان السرية في الإجراءات، إضافة إلى إمكانية التبليغ عبر الخطوط الرسمية والمنصات الرقمية الوطنية من خلال:الاتصال بمصالح الشرطة عبر الرقم 19 (112 عبر الجوال).الاتصال بمراكز الدرك الملكي عبر الخط 177.الاتصال عبر الخط الأخضر للتبليغ عن الرشوة والابتزاز:05.37.71.88.88ـالاتصال عبر البوابة الوطنية للتبليغ عن الفساد: WWW.STOPCORRUPTION.MA الاتصال عبر المنصة الرقمية " إبلاغ " WWW.E.BLAGH.MA التي أطلقتها المديرية العامة للأمن الوطني المخصصة للتبليغ عن المحتويات غير المشروعة على الانترنيت.إذا كان المشرع قد أفرد مجموعة من الإجراءات الحمائية في حق الشاهد أو المبلغ عن الجرائم عبر نصوص قانونية ترمي إلى ضمان أمنه وسلامته وتشجيعه على أداء هذا الدور الإيجابي دون خوف أو تردد فإن التشريع، كذلك قد أولى هذا النوع من الأشخاص عناية خاصة فأقر مبدأ الحماية لهم مند قرون إيمانا بأهمية الشهادة والإبلاغ في تحقيق العدالة وردع الظلم والجريمة.فالإنسان وهو يؤدي الشهادة لإحقاق العدالة، إنما يحقق مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية ألا وهي الحفاظ على الكليات الخمس التي تتلخص في حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسل وحفظ المال، فالشهادة الصادقة تسهم في إظهار الحق وكشف الباطل مما يمنع الظلم الذي يتعارض مع تعاليم الإسلام كما أن التزام الشاهد بقول الحق يعد من أعظم القربات إلى الله.من هذا المنطلق اعتبر الإسلام الشهادة أمانة عظيمة بل قرنها أحيانا بمقام العبادة، وحذر من كتمانها، بل وصف من يكتمها بأنه آثم يقول جل علاه "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" (البقرة 283) وهو تحذير صريح من مغبة التستر عن قول الحقيقة لما لذلك من آثار وخيمة على الفرد والمجتمع. وبالرغم من الإجراءات المتخذة التي تهدف بالأساس إلى تعزيز انخراط المواطن في تحقيق الأمن والاستقرار إلا أن هذه المساعي كثيرا ما تصطدم بعقليات ما تزال متأثرة بثقافة النفور من السلطة وبعوائق ثقافية ونفسية متجذرة، نتيجة لعدم الاستيعاب الكامل للمفهوم الجديد للسلطة القائم على الشراكة والثقة المتبادلة بينها وبين المواطن، كما أن تلك التمثلات النمطية التي مازالت سائدة في المجتمع والنظرة السلبية لمؤسسات إنفاد القانون، تعيقان تحقيق التفاعل الإيجابي وتحدان من فاعلية السياسات الأمنية التشاركية.وإلى جانب ذلك تسهم الصور النمطية الراسخة في تكريس عزوف المواطنين عن أداء دور الشاهد أو المبلغ، حيث كثيرا ما يوصم من يقدم معلومات أو تعاونا مع السلطات بصفات قدحية مثل "خائن أو واشي" وهي أوصاف اجتماعية ذات حمولة سلبية تفضي إلى تشويه صورة المواطن وتحويله من شريك في تحقيق الأمن إلى هدف للنبذ الاجتماعي، مما يضعف مناخ الثقة ويحد من فعالية التعاون بين المجتمع و مؤسساته الأمنية. إذن فثقافة الإبلاغ والتبليغ عن الجرائم أو الشهادات التي تساهم في تحقيق العدالة، تعد من أرقى صور المواطنة، وتعتبر دليلا قطعيا على المساهمة في الإنتاج المشترك للأمن.ومن أجل أن يتمثل المواطن ثقافة التبليغ والشهادة وتحقيق الغاية الكبرى منها، لابد من تحقيق مجموعة من العوامل والشروط وتكامل أدوار مجموعة من الفاعلين من أبرزها وأهمها، التربية على القيم المدنية، والتوعية المجتمعية والاعلامية، والتبليغ السهل والآمن مع تعزبز الثقة في مؤسسات الدولة لتبديد الخوف الذي يؤدي إلى الصمت الجماعي، أضف إلى ذلك ضرورة الاعتراف الرمزي والايجابي للمبلغين الذين ساهموا في الكشف عن الجرائم ومنحهم رمزية المواطنة الفاعلة. فالمواطن يحتاج أن يعرف بأنه حلقة أساسية في المعادلة الأمنية وأن مشاركته في المنتوج الأمني لا تعرضه للخطر بل تمكنه من أداء دور إيجابي في مجتمعه، باعتباره مواطنا ملتزما بثوابت وطنه، مشاركا في تحقيق أمنه واستقراره وتنميته.الدكتور. نورالدين العمادي .. باحث في الحوار الديني والثقافي في الحضارة الإسلامية
-
رشيد وهابي يكتب.. ''العقلية التشريعية التقليدية وتحدي الذكاء الاصطناعي
كل يوم تطلع علينا الاخبار الجديدة التي لا تنتهي وتبهرك عن يوم الأمس بما اكتشفته من جديد في عوالم الذكاء الاصطناعي الساحرة، كل هذا جعلنا ندمن ونهتم بكل ما هو جديد في هذا العالم الذي أصبحنا نرى ونحس أن المهتمين بتفاصليه والجديد فيه، باتوا جوعى متلهفين راغبين في تناول هذا الطعام الجديد الذي لا تشبعه حتى الشراهة الأكلية التي توصل للتخمة، طعام فريد وجديد، تم تحضير كل محتوياته وتوابله بالذكاء الاصطناعي، بل حتى الصحن والفرن الذي طبخ فيه أو الطباخ الذي أعده وأدخله للفرن، كلها وكلهم يعتمدون في طهيه على هذه التقنية الرائعة والمخيفة في نفس الوقت.آخر ما قرأته عن هذا العالم الجديد، هو توجه دولة الامارات العربية المتحدة للاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنتاج القوانين وهذا يعني أن هذا المارد الذي سيساعدها في إنتاج القوانين، لن ينسى أن يضع له موطأ قدم تُخبر عنه وعن عمله وجوانبه القانونية المعقدة التي يجب أن يحددها يرتب المسؤوليات عن كل خرق أو تجاوز لها أو عبث بها، وبقدر ما أعجبني الخبر وأثار في نفسي حب قراءة الخبر حتى آخر كلمة فيه، والاعجاب بهكذا تفكير وعمل، بنيانه يوجد في دولة في الشرق الأوسط، وأياديه الأخطبوطية المتعددة وعقله المتفتح المتلهف لقنص كل جديد وتدريب دماغها للانقضاض عليه والمتح من كنوزه للبدأ بالعمل به ، وتبحث عن كل جديد في عالم التقنية والذكاء الاصطناعي لتُعمله وتعمل به، لكي تُقدم خدمات لمواطنيها تكون في أحسن صورة وأسرع وقت وبأدق تفاصيله، وهو نفس القدر لكن من الأسف الذي جعلني أشعر بالأسى على بلادنا، التي أصبح الكثير من مواطنيها يفطرون ويتغذون ويتعشون بخدمات الذكاء الاصطناعي وبأخباره التي لا تنتهي، حتى أن باتوا بحب استطلاعهم وتطلعاتهم لاستعمال تقنياته وأنظمته الجديدة يصنفون في سلم العاملين بتقنياته من أوائل الدول المستعملين له، متجاوزين في ذلك أمم ودول كبيرة ومتقدمة، وهذا الزخم الشعبي المغربي بهذه الأدوات، مع الأسف الشديد يقابله إهمال وتهاون كبير أو لنخفف العبارة ونقول تباطئ كبير في مسايرة الدولة بقوانينها ومؤسساتها ومرافقها بنفس السرعة التي يسير بها شغف المغاربة لاستكشاف عوالم الذكاء الاصطناعي والعمل بأدواته.وحتى نضع عين الأصبع على موضوع مقالنا ولا ندعه يزيغ، سنحاول من خلال هذا المقال أن نتطرق لموضوع أغراني اهتمامي المتأخر بعالم الذكاء الاصطناعي أن أتكلم وأتطرق له وأثير انتباه المشرع الى أهمية التفكير فيه أثناء العمل على كل القوانين المقبلة، وهو: العقلية التشريعية وتحدي الذكاء الاصطناعي.ففي الوقت الذي نهضت دول كثيرة نهضة رجل واحد متوتر من أجل التشريع لقوانين تنظم حقل الذكاء الاصطناعي، وتنظم جميع جوانبه ، وتحين جميع قوانينها الموضوعية والاجرائية لكي تتكامل وتتعاون مع أدوات الذكاء الاصطناعي ولا تصبح في تقاطع وتضاد معه، بدون تفريط وبتحديد رادع وواضح محدد للمسؤوليات عن كل استعمال لهذه الآليات سواء كان المستعمل فردا أو إدارة أو شركة، أقف في هذه الجهة من بلدنا العزيز محتارا وغير مصدق، أن قوانين مغربية يتم تعديلها حاليا، لم تتم الإشارة فيها، ولو من باب التلميح الى مصطلح الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، أو حتى من باب الترصيص بالتنصيص عليه في باب خاص به ، وتحديد كيفية العمل به من طرف القاضي أو المحامي أو الموظف أو من طرف المتقاضي، وتوضيح حدود المسؤولية المدنية أو الجنائية لكل طرف استعمله بسوء نية أو تلاعب وعبث بمخرجاته لكي يكسب قضية تنظر أمام القضاء، أو اعتمد عليه في مقالته أو مذكراته دون الإشارة الى ذلك والتدليل على ذلك.فلنورد مثالا على ما طرحناه، ونرجع الخطى على مشروع قانون المسطرة المدنية الذي تمت المصادقة عليه من طرف مجلس النواب، وأصبح معروض حاليا على مجلس المستشارين، والذي سيرهن إجراءات التقاضي في المملكة المغربية لعقود قادمة، فالملاحظ أنه رغم أن تعديله جاء في وقت يستعر فيها حر الكلام عن الذكاء الاصطناعي وآفاقه التي ستساعد وتسرع وتدقق كل الأعمال التي توكل إليه ، و رغم أن آذان العالم أجمع صُمت بأخباره وفتوحاته اليومية، نجد أن الساهرين على تعديلات هذا القانون ،وكأنني بهم قد أقفل عليهم في كهف لا أنترنت ولا أخبار ذكاء اصطناعي لوث سمعهم، وانتقادنا الظريف هذا لمدبجي هذه التعديلات ، جاء بعد أن وجدنا بعد إطلالة سريعة على كل مواد هذا التعديل أن المشرع الذي يبغي تعديل قانون المسطرة المدنية، لم يتطرق في هذه التعديلات للذكاء الاصطناعي بتاتا.ولا نعرف سببا لهذا الإهمال أو التغييب، غير ما خلصنا إليه من خلال تتبعنا لمجريات التشريع ومعرفة بعض الذين عملوا على إنجازه وتحيينه، من كونهم لم يستطيعوا الانفكاك والاستقلال عن حبال الطريقة التقليدية والمحافظة في إنتاج التشريع في بلادنا، والتي أصبح يظهر أنها لا تواكب المستجدات ولا تعمل بعيون ومجاهر ذكية حلت في كل مكان محل التقليدية منها، إلا عندنا. ولا بد من الإشارة هاهنا، إلى أن العديد من الدول مثلا، بدأت تشير الى أدوات الذكاء الاصطناعي في قوانينها الجديدة، أو عملت على إرساء بعض جوانبها، ومازالت تجد وتجتهد لكي تقبط على لجام هذه الأدوات حتى لا تخرج عن طوعها وتصبح مضرة بالعباد ومصالح البلاد، ونذكر مثلا أن فرنسا سنت قانون وهو: ( La Loi de programmation 2018-2022 et de réforme pour la justice( . وهو قانون جاء من أجل إصلاح وبرمجة العدالة وفق رؤية عن الفترة من 2018-2022 وتم اعتماده سنة 2019، ويهدف إلى تحسين أداء نظام العدالة. وتبسيط الإجراءات باستخدام التكنولوجيا والرقمنة والذكاء الاصطناعي مشجعا على استخدام التكنولوجيا لتحسين العدالة. كما أن فرنسا نشرت قانون سمته قانون الجمهورية الرقمية، وهو قانون تم اعتماده سنة 2016، ويسمى أيضا باسم قانون لومير ( loi lomaire ) نسبة للوزيرة السابقة اوكسيل لومير التي اقترحته. الذي منع في المادة 33 منه التنبأ بأحكام القضاة بناء على تحليل ونشر بيانات القضاة، وقرن هذا المنع بالعقاب، حتى لا تصبح آليات الذكاء الاصطناعي تتنبأ بحكم قاضي قبل أن يحكم به.واعتبر أن هذه الأدوات التي تعتمد الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تعمل كمساعد في البحث القانوني أو تنظيم الملفات، ولا يمكنها أن تحل محل السلطة التقديرية للقضاة أو المحامين أو تكون بديلا عنهم. ولا يمكن أن ننسى أن الدول الأوروبية، عملت سنة 2024 على إصدار قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي (EU AI Act) الذي بات يعتبر من أول الإطارات القانونية المهمة في العالم التي تنظم استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي (AI) داخل الاتحاد الأوروبي، وهو قانون يرمي من خلال بعض نصوصه إلى تنظيم حسن استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق آمنة، أخلاقية، وغير تمييزية، مع عدم تقييده للابتكار.ولكن هذا القانون في طياته حذر من التأثير الذي يمكن أن يحدثه الذكاء الاصطناعي على نظام العدالة، لذلك نجد أن بعض نصوصه صنفت الأنظمة المستخدمة في العدالة "كأنظمة عالية الخطورة" (High-risk AI systems). ومن أجل تسييج نظام العدالة حتى لا تعبث أنظمة الذكاء الاصطناعي به، فرض هذا القانون التزامات صارمة على الشفافية، وعدم التمييز، وقابلية التفسير، قبل استخدام أدوات AI في القضاء.لذلك فمن خلال هذا المقال ندق ناقوس الخطر، لنقول أن إخراج قانون للمسطرة المدنية في سنة 2025 دون أن يتكلم عن أدوات الذكاء الاصطناعي، وينص عليها ويشير إلى كيفية العمل بها ويحدد حدود هذا العمل ومسؤولية كل من يعمل بها من المخاطبين بنصوص المسطرة المدنية. خصوصا مع تواتر أخبار تفيد عمل بعض السادة القضاة والمحامين وموظفي المحاكم به، هو تقصير غير مقبول ستتبين سوءات توريته وحجبه عن نصوص هذا القانون، والأمل مازال معقودا، لكي يتدخل مجلس المستشارين وينص على نصوص تنظم استعمال هذه الأدوات كما فعلت وتفعل دول أخرى أزالت استعمال النظارات التقليدية في طريقة إنتاجها للتشريع، وعوضتها بنظارات ذكية تستشرف آفاق المستقبل، بعد أن علمت وتيقنت أن كل المؤشرات تؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيكون اليوم وغدا هو سيد كل شيء. الأستاذ وهابي رشيد .. المحامي بهيئة الجديدة
-
بين صمت القبور وصخب الانتخابات... أيّ تمثيل ينتظره المواطن؟
مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، التي تُطلّ برأسها كل بضع سنوات كساعة رملية تُذكِّر الناخبَ بأن "الاختيار" بين يديه، يخرج فجأةً مَن كانوا غائبين عن المشهد العام، كأشباحٍ تَهُبّ من تحت أنقاض الصمت. إنهم "ممثلو الشعب" السابقون، الحاليون ، مَن اختفوا طوال ولايتهم خلف جدران اللامبالاة، ليعودوا اليوم إلى الواجهة بخطاباتٍ مزيّفة، وأسئلةٍ برلمانيةٍ مُفاجئة، وحساباتٍ على وسائل التواصل تَئِنّ فجأةً من "هموم المواطن"!لن يَفُوت المُتتبعَ أن هذه "الصحوة الانتخابية" ليست سوى محاولة يائسة لترميم صورةٍ مهترئة. فما عاد المواطن يُصدّق وعوداً جوفاء من أشباحٍ لم يُشاهدهم في قبة البرلمان إلا نادراً، ولم يَسمع لهم صوتاً يُناقش غلاء المعيشة، أو يُحاسب على ضرائب تُثقل كاهل الفقير، أو يُحارب الفساد. بل العكس هو ما حصل: شهدت بعض الجلسات البرلمانية الحاسمة غياباً مريباً لـ"ممثلي الشعب"، حتى أن أسماء بعضهم رُفعت في قوائم "الغائبين دون مُبرر"، وكأن مقعد البرلمان مجرد وسادة للقيلولة! الأمر الأكثر إيلاماً أن هؤلاء، بعد إخفاقهم في تحقيق أبسط مطالب ناخبيهم، يعودون اليوم بنفس العقلية، ونفس الخطاب المُنمّق، ونفس الوعود المُكرّرة، وكأن المواطن ذاكرة سمكة! فها هم يُنشطون حساباتهم الوهمية على "فيسبوك"، ويَطرحون أسئلةً برلمانيةً مَشكوكاً في دوافعها، ويُوزّعون الوعود كحلوى في استراتيجيةٍ مكشوفة: "حملة انتخابية مبكرة"، لا أكثر. السؤال الذي يَفرض نفسه: كيف يُمكن لشخصٍ قضى ولايته في الغياب والتقصير أن يَطلب ثقة الناخب من جديد؟ وكيف يُبرر غيابه عن مناقشة قانون المالية، الذي تُقرّر من خلاله مصائر الناس، بينما كان يُفترض به أن يكون في الصفوف الأمامية دفاعاً عن حقوق مَن انتخبوه؟ بل كيف يُمكن لمواطنٍ عاقل أن يمنح صوته لـ"ممثل" اعترف – ضمناً – بفشله، حين حوّل البرلمان إلى نادٍ اجتماعي، والمقعد النيابي إلى منصةٍ للتَرَشُّح الدائم؟ الحقيقة المُرّة هي أن جزءاً من هذه الدوامة الانتخابية الفارغة يتحمّل مسؤوليتها الناخب نفسه. فطالما ظلّ الصوت يُمنح بمعيار القبلية، أو الإغراءات المادية، أو العاطفة العشوائية، ستظل الدورة تُكرّر نفسها: "ممثلون" يَبحثون عن مكاسبَ شخصية، ومواطنون يَدفعون الثمن. في الختام، ربما حان الوقت لاختبارٍ جاد: لن يَصلح الحال إلا بوعي ناخبٍ يرفض الترويج الانتخابي الزائف، ويَنتخب بدماغه قبل قلبه. فالصوت ليس مجرد ورقة تُلقى في الصندوق، بل هو أمانة... فهل سنُسلّمها مرة أخرى لمَن خانوا الأمانة من قبل؟بقلم: عبدالاله نادني.
-
المحاكمات الافتراضية ومخاطر تفكيك مركزية السلطة القضائية
ما كنت أعلم وأنا الذي نهلت من معين القانون وخبرت دروبه أن منصات التواصل الاجتماعي تزخر بنخبة من العارفين بالقانون الجنائي - من الواضح – أنه لا مكان لهم في المناصب التي تحدتها الدوائر الرسمية لكن كلما وقعت جريمة ما - هنا أو هناك - تجدهم يتقمصون أدوار القائمين على تطبيق القانون من ضباط للشرطة القضائية - قضاة النيابة العامة - قضاة التحقيق وحتى قضاة الحكم ،ينتقلون إلى مسرح الحادث ،يسألون الشهود ،يكيفون الفعل الجرمي وأخيرا وفي وقت قياسي ودون مراعاة لشروط المحاكمة العادلة يصدرون الأحكام على المنصات الإلكترونية . لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هذه في العصر الحديث ساحة بديلة للمحاكم حيت تتداول القضايا وتصدر الأحكام وتشن الحملات بتوجيه من المؤثرين بعيدا عن قاعات العدالة وسياقاتها القانونية ومع الانتشار الواسع لهذه المنصات لم تعد الحقيقة وحدها ما يتداول بل اختلط الرأي بالمعلومة والعاطفة بالواقع، هذا السلوك يمثل خرقا سافرا لمبدأ قرينة البراءة الذي ينص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وهو من المبادئ الراسخة في الأنظمة القضائية العادلة.في كتير من الأحيان تتصدر قضايا قانونية معينة الرأي العام الرقمي لينهال سيل من الاتهامات والتعليقات التي تسبق التحقيقات الرسمية وتمارس ضغوطا هائلة على الأطراف المعنية بما في ذلك الضحايا والمتهمين وحتى القضاة أنفسهم هذه المحاكمات الافتراضية غالبا ما تؤثر على سير العدالة وقد تؤدي إلى التشهير أو تحريف الحقائق أو خلق صورة نمطية يصعب التخلص منها حتى بعد صدور الأحكام القضائية الحقيقية. هذا السلوك – المجانب للصواب - المبني على الترافع من خلال منصات التواصل الاجتماعي قد يتسبب في إنشاء خطاطة اجتماعية تطبع مع المحاكمات الافتراضية مما قد يؤدي إلى تفكيك السلطة القانونية لدى المحاكم وتحويلها إلى العالم الافتراضي حيت يحل محل رجال القانون الرسميين مؤثرون بدون خلفية أو رصيد قانوني. من ناحية أخرى لا يمكن إنكار أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أسهمت أحيانا في إماطة اللثام على قضايا كانت لتطمس في الظل ودفعت نحو العدالة في حالات كان الصمت فيها سيد الموقف لقد باتت أداة ضغط جماهيري قوية لكنها سيف ذو حدين يتطلب الوعي والانضباط الأخلاقي في استخدامها. إن المحاكمة العادلة تتطلب بيئة تحفظ سرية التحقيق وتحترم قرينة البراءة وتفصل بين العاطفة والحقيقة وما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي رغم تعبيره عن نبض الناس لا يجب أن يكون بديلا عن المؤسسات القضائية بل داعما للعدالة حين يستخدم بمسؤولية. في النهاية تظل الحرية مسؤولية والكلمة أمانة وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي منابر للتفكير والتعبير فإن العدالة منبر للحق ولا يجب أن يخلط بينهما لأن العدالة مهما تأخرت تبقى أصدق من آلاف الأحكام التي تصدرها وسائل التواصل في لحظة غضب أو اندفاع. *الدكتور. نورالدين العمادي باحث في الحوار الديني والثقافي في الحضارة الإسلاميةا
-
هل نحن مطالبون بالدفاع عن تازة أم عن غزة؟
تعود مقولة "تازة قبل غزة" إلى قصة تراجيدية حكاها فؤاد علي الهمة صديق الملك ومستشاره لمجلة جون أفريكا، تقول الرواية أن الملك محمد السادس إثر تنزهه بإحدى غابات إفران في سنة 2008 التقى بفتاة صغيرة، وإثر تبادله لأطراف الحديث معها، قالت له: يا جلالة الملك؛ لا أطلب منكم شيئا شخصياً، لكن مدينتي تازة تموت، أرجوك أن تقوم بزيارتها حتى تتغير نحو الأفضل. بعدها قام فؤاد علي الهمة مستنداً على هذه الواقعة باختراع شعار جديد، وذلك في سياق تبرير عدم مشاركة الملك في القمم العربية التي خصصت لمناقشة العدوان الإسرائيلي على غزة، سماه "تازة قبل غزة". تلقفت أبواق كثيرة هذه المقولة ووظفتها في سياقات كثيرة ولا زالت توظفها في تبرير عدم مساندتها للقضايا الإنسانية العادلة، بحجة أن المسؤولين منهمكين في حل المشاكل الداخلية ولا يمكن لهم هدر الوقت والطاقة في دعم قضايا خارجية لا فائدة منها. واستُعمل كثيراً في دعم التطبيع على حساب دعم القضية الفلسطينية، على أساس أن التطبيع مع إسرائيل يؤمن للمغرب استرجاع قضية الصحراء ويجعله قوياً بين الدول العظمى، بينما عدم التطبيع ودعم غزة قد يفقده الكثير من مصالحه وقضاياه السياسية الخارجية. تحول شعار "تازة قبل غزة" إلى أطروحة سياسية للمخزن مخالفة للأطروحة الإسلامية من جهة، المهتمة بقضايا كل المسلمين خارج حدود الدول. ومخالفة لأطروحة اليسار الأممي الذي يرى في القضية الفلسطينية قضية إنسانية عادلة يجب الانتصار لها ودعمها. بهذه الطريقة وجد المغاربة أنفسهم بين اختيارين أحلاهُما مرٌ، إما اختيار غزة على حساب تازة والقضايا الوطنية أو اختيار الدفاع عن غزة مقابل فقدان القضايا الوطنية. يوجد اليوم الكثير من النقاش العمومي حول قضايا متعددة في المغرب، إلا أنها غير مؤطرة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، لغياب المثقف الذي يمكن له تأطير النقاش والتأصيل العلمي له، رغم أن النظام السياسي استطاع بلورة أطروحة سياسية لهذه المرحلة إما بذكاء منه أو باجتهاد من المدافعين عنه. هذا المأزق الذي وضع النظام كل المعارضين داخله بأن يختاروا بين بين تازة أو غزة لم يجد بعد أطروحة علمية تتجاوزه وتؤسس لنقاش وطني حر ومنفتح. كتب البعض أن شعار "تازة قبل غزة" شعار صادق في أصله، وأنه للمرور إلى غزة والقدس لابد من المرور عبر تازة، تازة التي تمثل الوطن ككك، وأنه لا يمكن الانتصار لغزة وتازة مكبلة بالاستبداد والفساد. هي أطروحة ضد النظام القائم. يسائل هذا الطرح المشاريع الإفريقية وشعار "العمق الافريقي" ومشاريع "النموذج التنموي" وما مدى تحققها على أرض الواقع. وأن مصلحة الوطن ما هي إلا ذريعة من أجل استفادة الأولغارشية من خيراته وتوظيفها لخدمة مصالهم السياسية، وأن مؤشرات التنمية والتعليم والصحة في انهيار متواصل. كتب آخرون على أنه لا يجب بالضرورة أن نكون متفقين كلنا على القضية التي نتبناها وندافع عنها، لهذا على أنصار غزة أن ينتصروا لغزة وأنصار تازة أن يعملوا جاهدين على تنميتها وتطويرها، لأن المغرب بلد التعدد والاختلاف، وأن كل واحد يجد فيه ضالته ومبتغاه. لكل مغربي منا الحق في اختيار القضية التي تهمه: التعليم والصحة أم سبتة ومليلية، الصحراء المغربية أم باكستان وفلسطين، الأمن أم الديمقراطية، الاستقرار أم الثورة...على أساس أن يدافع كل واحد منا عن قضيته بعدل وسلمية في ظل التعددية والاعتراف المتبادل. قد يقول البعض إذا كان الموضوع يتعلق باحترام التعددية والقبول بالرأي المختلف، فإنه يجب أن نتقبل أيضاً الصوت الذي يقول "كلنا إسرائيليون"، وأصحاب "تمغربيت"، الذين يجمعون المغاربة مع الصهاينة في صف واحد، لأن للبعض منهم أصول مغربية. يقولون أن إسرائيل دولة ديمقراطية، لهذا القرارات التي تتخذ سواء في السلم أو الحرب هي قرارات تصدر عن الشعب الإسراـئيلي وليس عن المسؤول "المجرم"، وأن هذه القرارات تتم وفق النقاش العمومي وتداول الرأي داخل المؤسسات، هي قرارات عقلانية، بمعنى آخر هي قرارات صائبة تخضع للمصالح القومية للدولة. هي مغالطة يمكن إبطالها من زاويتين، الزاوية الأولى أن الانتخابات ليست هي وحدها الديمقراطية، بل الديمقراطية هي احترام حقوق الانسان وعدم التمييز العنصري والخضوع للمواثيق الدولية، وليس فتح صناديق الاقتراع خمس سنوات من أجل أن يصعد إلى الحكم الرجل الديكتاتوري ثم يغلق الطريق أمام الآخرين، فهتلر وصل إلى الحكم عبر انتخابات نزيهة. كما أن قرار المحكمة الجنائية الدولية يأتي في هذا الصدد من أجل منع المجرمين من البقاء على رأس السلطة. كما لا يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية وهي قائمة على احتلال أرض ليست بأرضها، دولة قائمة على نظام الفصل العنصري الأبارتايد وإبادة صاحب الأرض والتوسع في المنطقة على حساب أراضي الشعوب الأخرى. إلا أن موضوع التطبيع وشعار "تازة قبل غزة" يجب دراسته من منطلق المؤشرات وما تحقق من أرقام ومصالح للوطن، لأن الأرقام هي الوحيدة التي لا تكذب. فالتطبيع يجب أن يحقق نتائج دبلوماسية ملحوظة وأن يدفع باعتراف الدول الأخرى بالصحراء كونها مغربية، وتازة يجب تقييمها وفق مؤشرات التنمية المحلية هي وباقي المدن المغربية، وألا يتم التعامل معها على أساس التمييز الإثني أو الجغرافي.إلا أن الحقيقة المؤلمة أن الذين قالوا "تازة قبل غزة" لم يزوروا تازة ولم يهتموا بها رغم مرور السنين، بل إن تازة كما آسفي كما سيدي أفني كما القصر الكبير مدن مغضوب عليها، لأن لها تاريخ أسود مع المخزن. ابتداءً من انتفاضة بوحمارة إلى أحداث هرمومو واحتجاجات الكوشة، إلى حراك 20 فبراير. وأن المخزن شخصية حقودة ومزاجية لها عواطف ومكبوتات وليست دولة ومؤسسات مستقلة لها خطط واستراتيجيات ومشاريع لتنمية جميع المناطق؛ يحظى الوسط والغرب باهتمام كبير بينما يتم تهميش الأطراف وكل المناطق النائية. فتازة لا تريد أن يتم الاهتمام بها أكثر من غزة ولا أقل منها، ما تريده هي تنمية وخدمات اجتماعية وعدالة مجالية وصحة وتعليم وفرص للشغل وبنية تحتية. حيث إن حل قضية الصحراء وتنمية تازة والراشدية والعيون الشرقية، يحتاج إلى ديموقراطية حقيقية تجعل الصحراويين يختارون السيادة المغربية لأنها تضمن لهم الكرامة ومواطنة كاملة الحقوق، وبانتخاب أناس نزهاء ومحاسبتهم وتدبير موارد المنطقة وخلق استثمارات محلية.
-
حمزة رويجع يكتب ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال.. ذكرى غالية من جيل الرواد الى جيل الشباب
يحيي الشعب المغربي قاطبة، يوم غد السبت 11 يناير 2024، الذكرى الواحدة والثمانون لتقديم وثيقة الاستقلال، وهي ذكرى غالية التحمت فيها القوى الوطنية الصادقة مع العرش العلوي المجيد، ذكرى تحمل في طياتها روح وطنية غالية في ظل استعمار غاشم وفرض للحماية، هي ذكرى نستحضر من خلالها الأرواح الطاهرة التي منحت دمائها في سبيل التحرير، ومن بينهم شهداء سجن العادر بنفوذ الجماعة الترابية الحوزية بإقليم الجديدة. في هذه الذكرى نجدد الترحم على السلطان المحرر محمد الخامس طيب الله ثراه، وعلى الروح الطاهرة للملك المجدد الحسن الثاني باني صرح المغرب الجديد، مع اصدق الدعاء بأن ينعم العلي القدير على امير المؤمنين محمد السادس حفظه الله، بوافر الصحة وان يشد ازره بولي عهده مولاي الحسن وسنوه مولاي رشيد وباقي افراد الاسرة العلوية المجيدة. ان ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال، ليست فقط حدثا عابرا، وانما تجسيد لمرحلة من مراحل التي اجتازها المغرب بوحدة الوطنية الغالية، لدرس في كل يوم، كيف ان المغاربة بوحدة صفهم واجتماعهم تحت راية امارة امير المؤمنين، استطاعوا نيل توفيق العلي القدير بنصرتهم في الجهاد ضد الاستعمار والحماية، وتحرير البلاد والسير بها نحو البلدان الصاعدة. في هذه الذكرى، تَجْتَمِع، ان وفق الله، وليه، صاحب جلالة الملك محمد السادس بتعيين امحمد العطفاوي عاملا على رعياه الاوفياء المخلصين، والشاهد ان الحاضي بالثقة المولوية السامية، لم ينتظر مرور مئة يوم على حفل تنصيبه او ارتكن داخل المكتب المكيف، بل بادر للنظر السديد في حال ومآل الرعية، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا. ومما لاشك فيه، ان لغة الحزم والصرامة، حسب جس النبض، ممن جالسه او استمع له، ليكشف ان دكالة امام سبع سنوات سِمَان، لامكان فيها، الا لمن له قلب سليم، ويسعى السعي الكريم الى اعمار الأرض وخدمة الفرد والجماعة. وهي الأكيد رسالة ان جيل بركة الأولياء الصالحين دفيني رباط دكالة لازلت بركاتهم تتنزل عبر ذرياتهم، وان ما ينتظر من العامل الجديد هو النظر الى حال ومآل بعض الكتتايب القرءانية التي لم يكتب لها ان تفتح نظير الكتاب القرءاني بمسجد سعد بن ابي وقاص، ونحن في أهبة الاستعداد لاستقبال الشهر الفضيل رمضان. ان لِشعار مملكتنا الغالية لَمكانة في القلوب والدِماء، بتوفيق من الله العلي القدير، خاصة وأنْ مَنَ علينا بالأمن والأمان في الوطن الغالي، تحت القيادة الرشيدة لمولانا امير المؤمنين.
-
مولاي مهدي الفاطمي: صوت الإصلاح والتغيير في قبة البرلمان
في إطار التزامه بخدمة الصالح العام، قدم النائب البرلماني مولاي مهدي الفاطمي حصيلة عمله خلال ولايته البرلمانية، مشيرًا إلى الجهود المبذولة في الدفاع عن قضايا المواطنين داخل قبة البرلمان.استعرض الفاطمي عدد الأسئلة التي تقدم بها، حيث بلغ مجموعها 206 سؤالًا شفهيًا ناقش خلالها قضايا ذات أولوية في الجلسات العمومية، بالإضافة إلى 473 سؤالًا كتابيًا تناولت ملفات حيوية تمس مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية. هذه الأرقام تعكس انخراطه الجاد في القضايا التي تهم المواطنين.ركز الفاطمي جهوده الرقابية على متابعة الملفات التي تهم المواطنين، سواء على المستوى المحلي أو الوطني. ومن بين القضايا التي أولاها اهتمامه: البنية التحتية، الصحة، التعليم، الفلاحة، التشغيل، والنقل. كما حرص على تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الفئات الهشة والمناطق القروية، مؤكدًا على ضرورة إيصال صوت المواطنين إلى الجهات الحكومية المختصة.أما على المستوى التشريعي، فقد ساهم الفاطمي في مناقشة مشاريع القوانين والمصادقة عليها، مع السعي لتحسين النصوص القانونية بما يخدم مصلحة المواطن ويحافظ على المكتسبات الوطنية.إيمانًا منه بأن العمل البرلماني لا يقتصر على قبة البرلمان، قام الفاطمي بتعزيز قنوات التواصل مع المواطنين من خلال اللقاءات المباشرة. هذه اللقاءات كانت فرصة للإنصات لهموم المواطنين ومساعدتهم في إيجاد حلول لمشاكلهم اليومية.وفي ختام حديثه، أكد الفاطمي أن هذه الحصيلة ليست سوى خطوة على طريق طويل من العمل المتواصل. وأعرب عن تعهده بمواصلة التزامه بالدفاع عن قضايا المواطنين بكل تفانٍ ومسؤولية، واضعًا مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار.تمثل جهود مولاي مهدي الفاطمي نموذجًا يحتذى به في العمل البرلماني، وتؤكد أهمية التواصل المستمر بين النواب والمواطنين لتعزيز التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
-
السلطة القضائية واضرابات المحامين
في أول سابقة من نوعها في المغرب، اختار المحامون المغاربة عبر جمعية هيئات المحامين بالمغرب يوم الجمعة 32/ 10/2024 من مدينة طنجة، أن يحملوا عصا التصعيد، بعد أن استمروا طيلة أسابيع مضت، وعبر إشارات خفيفة لم تلتقط أو تم تجاهلها من قبل السيد رئيس الحكومة والسيد وزير العدل، ووصلت سياسة المهادنة والحفاظ على الشراكة الطويلة والتعاون المتين بين وزارة العدل وكل هيئات المحامين بالمغرب، وقتا لا بأس به و أرسلت الجمعية غمزات واضحة للتحضير للقاء لحل المشاكل ومواصلة التعاون والتشارك ، معتقدين أن أقصى ما يمكن أن يفعله المحامون قد فعلوه، وأنهم لا شك سيعودن للمحاكم وللعمل ، لأن المهنة حسب ما خيل إليهم أنها مهنة حرة ، ومقاطعة العمل والاضراب عن العمل هو يعني سد صنبور الأتعاب الذي كان يسقي تكاليف مكاتبهم الشهرية وكان يغذي كل حاجات أسرهم وذويهم ، وأنه لا صبر لهم على استمرارهم في قفل هذا الصنبور ، ولم يدر بمخيلتهم أن تصعد جمعيتهم الجبل كما يقال ، وتقاطع كل الجلسات والإجراءات القضائية ، وتخلي ساحات ومكاتب المحاكم من رجال الدفاع ودعاة الحق والعدالة، فالسادة المحامون مضطرون لأن يقاطعوا ليس دفاعا عن مهنتهم وكلمتهم التي يجب أن تكون مسموعة ومحترمة، بل كذلك عن حقوق ملايين المتقاضين المغاربة الذين سيجدون أنفسهم محرمين من استئناف حكم يتعلق بهم أو طلب نقض قرار أضر بمصالهم، لا لشيء سوى لأن طلبهم لم يصل قيمة المبلغ الذي حددته الحكومة لكي يكون قابلا للطعن بالاستئناف والنق ، ونحن نضرب بهذا الشكل غير المسبوق، لا يجب أن ننسى أن هناك حقوقا لمتقاضين نزاعاتهم تجري أطوارها أمام محاكمنا، ويحتاجون فيها إلى مؤازرة محامي أو مذكرة محامي لتبين عدالة قضيتهم، فمن سيكفل له حقه في الدفاع حتى يتمكن محاميه من الحضور إلى جانبه، وهو في نفس الوقت ملزم باحترام قرار مؤسساتهم بالإضراب عن العمل، ومن سيحمل هذه المسؤولية التاريخية التي لن تنسى في تطبيق نصوص الدستور، والعمل على حماية حقوق المتقاضين في وجود الدفاع الى جانبهم، لنتكلم بكل وضوح ونقول أن السلطة القضائية ممثلة رؤسائها وفي السادة القضاة مدعوون الى الانحياز بشكل كامل لحق الدفاع ، وتطبيق نصوص الدستور الضامنة لحق الدفاع والمحاكمة العادلة ، وهم يجدون أنفسهم صدفة أمام هذا المستجد الذي لم يكونوا في يوم من الأيام يعتقدون أنه سيصدمون به، والسيد الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ومعه السيد رئيس النيابة العامة المحترمين، والذين تجمعهم علاقة احترام وتعاون كبير مع ممثلي المحامين، مدعوون في هذه اللحظة التاريخية، الى أن يستحضروا كيف دافع السادة المحامين على السادة القضاة في كل مؤتمراتهم وفي كل حين ومنذ زمن بعيد لتحسين وضعيتهم المالية وتكريس استقلاليتهم ، وقد ساهم نضال السادة المحامين في أن تتبوأ السلطة القضائية الدرجة التي تستحقها ، لذلك فالجسد والجناح الواحد، يجب أن ينحاز لحمى كل طرف منه ويعمل على انتظار جاهزية جناح العدالة الآخر لكي تطير السلطة القضائية بجناحين ويكون طيرانها سليما وحقيقيا بهدف تحقيق العدالة كما أن السادة القضاة هم مواطنين، لديهم نزاعاتهم ونزاعات أسرهم أمام المحاكم المغربية، ومعركة المحامين هذه هي معركة للدفاع عن حقهم وحق أقربائهم في طلب استئناف الأحكام وطلب نقضها مهما كانت قيمة الطلب فيها، كما أنها تهمهم كذلك، لأن أغلب السادة القضاة أصبحوا يلتحقون بالمحاماة بعد تقاعدهم الكامل أو النسبي، مرحب بين ذويهم ، فهم بوقوفهم الى جانب المحامين في معركتهم سيدافعون عن مستقبل المغاربة في ضمان حق الطعن ومستقبلهم في أن يلتحقوا بمهنة قوية موحدة مدافعة ومنافحة عن حقوق المغاربة وعن وضعيتها الاعتبارية ، وتكون كلمتها وحضورها مسموعا واقتراحتها ينظر إليها بعين التشارك لا بمنطق التغافل . لذلك فالسادة القضاة عليهم أن يعملوا على ضمان حق المحامين كما تنص على ذلك المادة 29 من الدستور من خلال تأخير الملفات حتى يتمكن المتقاضون من الحضور مع دفاعهم، ولا شك أنهم يعلمون أن حقوق المتقاضين المغاربة وحسن سير العدالة كركائز للمحاكمة العادلة منصوص عليها في الباب السابع من الدستور المتعلق بالسلطة القضائية التي تعتبر بحكم الدستور والواقع مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية، والمادة 120 منه تنص على أنه لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وجود المحامي الى جانب المتقاضي أو المتهم كما هو متعارف عليه دوليا أكبر ضمانة وأكبر تيمة التي بدونها لن تكون المحاكمة عادلة، كما حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم. كما أن العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، نص في المادة 14 منه على حق الدفاع، وهذا الحق يعني حق كل شخص في الاستعانة بمحامي للدفاع عنه، إن كان له مال يمكن به أداء أتعاب هذا المحامي الذي سيدافع عنه، فإن لم يكن له مال، فيمكنه الحصول على دفاع أو مؤازوة محامي على نفقة الدولة أو بمساعدة من نقابة المحامين كما هو الشأن بالمغرب. إذن فإضرابات المحامين تحفها ضمانتين دستوريتين كبرتين، أولهما الحق في الإضراب، وحق كل شخص في الدفاع الذي لا يعني غير شيء واحد هو استعانته بمحامي للدفاع عنه، فالسلطة القضائية كسلطة تسعى بكل قوة وتجرد وحياد، لإقامة العدل والحكم بين الناس بالقسطاط بواسطة القضاة المنضوين تحت لوائها، وتعتمد بشكل كبير في الوصول إلى ذلك على كتابات ومرافعات ودفاع السادة المحامين اللذين يقدمون لها النزاعات في أبسط صورة ويسلطون الضوء على كل جوانبها حتى تتضح للقاضي الصورة بشكل تجعله متبينا وملما بشكل شبة كامل بالنزاع، مما يسهل عليه أمر البث فيه وإصدار حكم عادل فيه. كما أن معظم الأنظمة القضائية لدول مختلفة تعتبر وجود المحامي الى جانب المتقاضي من الحقوق الأساسية التي يجب ضمانها، وتعتبر أن المحاكمة لا يمكن أن تكون سليمة وعادلة ومغطاة برداء الدفاع القانوني المختص الذي يمثله المحامي، إلا بوجود هذا المحامي الذي أوكل له المشرع الدفاع عن المتقاضي. أتمنى بكل صدق أن تسعى السلطة القضائية بكل مكوناتها لضمان حق الدفاع بحث السادة القضاة على تأخير الملفات على الحالة حتى يتم حلحلة هذا الملف وينتبه السيد رئيس الحكومة ووزيره في العدل الى أصوات المحامين ويسارعان لدعوة ممثليهم لطاولة الحوار والسعي لتقريب وجهات النظر والعمل بمقترحاتهم مؤسساتهم. الأستاذ وهابي رشيدالمحامي بهيئة الجديدة
-
سبب اهتمام الإسلاميون بالأنثروبولوجي محمد الطوزي
حضر محمد الطوزي كأحد أهم الشخصيات الأكاديمية في الندوة الفكرية التي نظمها حزب العدالة والتنمية لتقييم حصيلة وتجربة الحزب على المستوى السياسي، واستشراف آفاق عمله وأدواره المستقبلية، وذلك استعدادا لمؤتمره الوطني التاسع المقرر يومي السبت 26 والأحد 27 أبريل 2025، وقال أن الحزب لايزال يمتلك أيديولوجيا صلبة... يُولي الإسلاميون اهتماماً بالغا لكل ما يقوله محمد الطوزي، إما في مواضيع سياسية عامة أو في تفسير ظاهرة الإسلام السياسي، كما يلقى حضوراً كبيراً داخل مقراتها. هذا الاهتمام غير نابع من حب الإسلاميين للعلوم الاجتماعية والإنسانية ومحاولة الاستفادة منها في الخروج من الأزمات التي يمرون بها، بل لديهم من الفقه وعلم الكلام القديم، ولديهم من المنظرين مثل محمد قطب والسيد قطب وخالص جلبي والريسوني والقرضاوي ما يكفي من أجل فهم الواقع ولو وفق تصورات قديمة. رغم أن الطوزي لا يقدم أي تفسير جديد للحقل الإسلامي، وكل كلامه قديم لازال يردده حول ظاهرة الإسلام السياسي، كلام لا يخرج عما كتبه بارتريك هايني في كتابه "إسلام السوق"، يحاول توظيف المنهج الإثنوغرافي الذي يبحث في مظاهر اللباس لدى الأخوات والإخوان وطرية تنظيم الجلوس وطريقة تنظيم المؤتمرات ونوع الآيات القرآنية والأغاني والشعارات التي يرددها الإخوان. يقول أن الإخوان تغيروا كثيراً، إلا أنه عند ينظر في النص الديني فإنه يتراجع عن كلامه فيقول أنهم "أصوليون وجوهرانيون ومتصلبون" لا يتبدلون ولا يتغيرون. كان يكفي أن يقرأ الإسلاميون لآصف بيات أو غوشيه أو أليفيي روا أو عزمي بشارة ليستفيدوا أكثر. أيضاً الطوزي ضعيف جداً في البحث العلمي، فقط الكتابة والتدريس باللغة الفرنسية هي من أعطته هذه المكانة، كتب مرة أن عبد السلام ياسين ليس لديه أبناء، وأنه يريد من يجعل من نادية ياسين نموذج فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبة الحسن والحسين. ولا يدري الطوزي معلومة بسيطة أن الشيخ ياسين لديه أبناء ذكور أيضاً. إن اهتمام الإسلاميين بالطوزي مرتبط بالأساس ببعض المواقف الإيجابية التي بناها عن التسع سنوات من حكم العدالة والتنمية، بالنسبة له مكنت المغرب من الخروج من مأزق لا يحمد عقباه، قدمت العدالة والتنمية خيارات مهمة للنظام كما أمدته بنخب جديدة لم تتشوه صورتها السياسية، ثم يقول عن جماعة العدل والإحسان أن لها تكوين متين ومرجعية مؤسسة، ذات انتماء مغربي محلي، ومهما كان الاختلاف مع الشيخ ياسين فهو مؤسس مرجعية إسلامية مغربية الهوية، بل إن الجماعة حليف موضوعي للنظام. أيضاً قال الطوزي في أوج أزمة البلوكاج أن بنكران يمثل قفاز الشعب بينما يمثل أخنوش قفاز السلطة. إلا أنه إذا ما نظرنا إلى الطوزي من خلال مواقفه العامة اتجاه النظام السياسي، فإننا نجده يدعم السلطوية ولا يخرج عنها، وأنه في أوج الربيع العربي قال كلام يوضح خيانة المثقف، قال أنه يتألم جداً عندما يرى الملك يتقاسم سلطته مع الإسلاميين، ثم قال أن الإسلاميين ليس لديهم مشروع سياسي. أيضاً نجد الطوزي ضمن لجنة النموذج التنموي التي لقيت انتقادات واسعة، من هي وما صفتها؟ وما الشرعية التي أنتجتها؟ والتي وصف صاحبها بنموسى في حضرة الإسلاميين بالفرنكفوني التي لا يثقن اللغة العربية. إلا أنه انضم للجنة ولم يقدم أي ملاحظات عن النموذج التنموي. كما أنه لا يقدم أية ملاحظات أو مواقف اتجاه قضايا زواج المال والسلطة أو انتهاك حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية التجمع. في حين نجد لزميله في المهنة عبد الله حمودي مواقف جد مشرفة حول قضايا كثيرة تهم المغرب. تبقى وظيفة الطوزي تلك الشَعرة-شعرة معاوية- التي يحافظ من خلالها النظام السياسي على علاقته بالحركات الإسلامية. فهو الأنثروبولوجي الذي درس الإسلاميين الثمانينات حيث اشتهر بكتابه "الملكيّة والإسلام السياسي بالمغرب" الذي نشر سنة 1997. إلا أنه لم يجدد معارفه منذ تلك اللحظة ولازال يعتبر الحركة الإسلامية تنظيم صلب لا يخضع للتغيرات الاجتماعية والسياسية، فموقفها من الديمقراطية والتعددية والحرية موقف ثابت لا يتبدل ولا يتغير. يركز في ذلك على النصوص مثل ما تفعل الدراسات الاستشراقية في حين يُغيب الواقع والممارسات السياسية. عبد الرحيم بودلال: باحث في علم الاجتماع
-
مسؤولون إيرانيون قد يكونون في دائرة الاستهداف بالرد الإسرائيلي على طهران
ما من شك أن الضربة التي استهدفت بطائرة مسيرة، السبت 19 أكتوبر 2024، رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وزوجته، في "عقر داره"، بمدينة قيساريا جنوب حيفا، قد تكون حملت إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، على إعادة النظر في خطة الردع، وتأجيل الرد (la riposte)، الذي كان "وشيكا"، والذي تكون تفاصيله أحيطت بسرية تامة، حتى على ربان المقاتلات الحربية، الموكول لهم القيام بالمهمة، التي تدربوا عليها بدقة، والذين قد يكونون يخضعون لإقامة من نوع "VIP"، في القاعدة العسكرية، في انفصال تام عن العالم الخارجي، بفرض قيود على تواصلهم واتصالهم مع محيطهم العائلي القريب، عبر وسائل التكنولوجيا المتاحة، والذي قد يكون بترخيص، وتحت المراقبة. إذ أن ربان الطائرات الحربية المشاركة، لن يأخذوا علما بالضربة وبأدق تفاصيلها، وبساعة الصفر (00) لتنفيذها، بحلول اليوم (J)، إلا في آخر لحظات التدخل، على غرار ما حصل عند تنفيذ عملية اغتيال زعيم حزب الله (حسن نصر الله). هذا، فإن المسيرة المتطورة، التي انطلقت، السبت الماضي، من لبنان، واستهدفت بدقة، بعد أن قطعت 70 كيلومترا، بيت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتحديدا غرفة نومه، وفق ما سمحت بنشره الرقابة العسكرية في إسرائيل، لم تتمكن الطائرات المروحية، التي لاحقتها في أجواء إسرائيل، عقب رصدها، من إسقاطها قبل إصابة الهدف. وقد انتظر (نتنياهو) حتى اليوم الموالي (الأحد)، للظهور من حديقة، مرتديا "تي شورت"، في "فيديو" مقتضب، للتعبير عن شعوره بالفخر.. وبكون شخصه لم يستثن من دفع "الثمن" في "الحرب الوجودية" التي تخوضها إسرائيل ضد إيران. هذه الخرجة اعتبرت بكونها قصد الدعاية والاستهلاك الإعلامي، ولتلميع صورة (بنيمين) في الداخل الإسرائيلي، وكسب التعاطف والشرعية.. هو الذي ما فتئ يحاول الظهور في جلدة "دافيد بن غوريون" (1886 – 1973)، "البطل القومي"، في نظر الإسرائيليين، والذي كان شغل منصب أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، أرسى قواعد الحرب في إسرائيل، والتي حددها في " نقلها إلى ميدان العدو"، و"مباغتته، من خلال سرعة الضربة الاستباقية". وبالمناسبة، فقد ارتفعت أصوات من داخل إسرائيل، عقب محاولة تصفية (نتنياهو)، أججت نيران غضبها منابر إعلامية داعمة للحكومة اليمينية المتطرفة، حكومة الحرب، بعد أن وجهت بقوة أصابع الاتهام إلى طهران، للضغط من أجل الرد "انتقاما" من محاولة الاغتيال، ومن الضربة الصاروخية، التي استهدفت بها إيران، في 27 غشت 2024، العمق الإسرائيلي، تحت عنوان "الرد الصادق 2"، أو "عملية يوم الأربعين"، التي جاءت ردا على اغتيال (فؤاد شكر)، القائد العسكري في حزب الله، في غارة جوية نفذتها مقاتلة إسرائيلية، على مبنى حارة حريك، بالضاحية الجنوبية لبيروت. وقد تلا الضربة الصاروخية التي نفذتها إيران بحوالي 200 صاروخ، هجوم صاروخي آخر "غير مسبوق"، استهدف بدقة في قلب إسرائيل، قاعدة عسكرية، بجنوب حيفا، وكبد وحدة النخبة الإسرائيلية "غولاني"، 4 قتلى و70 جريحا، بعضهم إصاباتهم حرجة. هذا، فإن توجيه الاتهام والتركيز على محاولة اغتيال (نتنياهو)، بالطائرة التي استهدفته في "عقر داره"، يأتي عقب الفشل المتتالي، منذ ال7 أكتوبر 2023، في حسم الحرب على غزة، وتفكيك حركة حماس، والقضاء على حزب الله، رغم ما تلقى تنظيمه وقيادته وقيادييه، من ضربات موجعة، باستهدافهم في مقرات إقامتهم وتجمعاتهم، بالضاحية الجنوبية لبيروت؛ هذا الاستهداف الذي جاء عقب اغتيال (إسماعيل هنية)، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في 31 يوليوز 2024، في العاصمة طهران، عندما كان في زيارة للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، (مسعود بزشكيان)، الذي خلف الرئيس السابق، (إبراهيم رئيسي)، الذي لقي مع وزير خارجيته، (حسين أمير عبد اللهيان)، حتفهما، إلى جانب مسؤولين وشخصيات إيرانية أخرى، إثر سقوط طائرتهم المروحية. وقد شنت بالمناسبة إسرائيل حربا إلكترونية، دشنتها، لأول مرة في تاريخ الحروب "غير التقليدية"، بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي (IA)، والتي استهدفت بها عناصر حزب الله، بتفخيخ أجهزة الاتصال اللاسلكي "البيجر"، بكمية محدودة من "TNT"، تم زرعها في قطعة "أي سي" (IC).. ثم أجهزة "تولكي ولكي". وقد نفت طهران علاقتها بمحاولة تصفية رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ كما لم يتبناها لا جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيون)، ولا حركة حماس، ولا تنظيمات المقاومة الفلسطينية، ولا حزب الله العراق، الذين يعتبرون أذرع إيران، في الشرق الأوسط.. قبل أن يعلن حزب الله، بعد أن لزم الصمت مدة 3 أيام، عن مسؤوليته في الاستهداف، الذي حمل بالمناسبة رسالة مفادها: "إذا كان بإمكانكم استهداف قادتنا وقياديينا بأسلحة متطورة ودقة عالية، فإن بإمكاننا كذلك استهداف قادتكم وقيادييكم بالأسلحة المتطورة وبالطريقة الدقيقة ذاتها.. حتى في عقر بيوتهم، ومن مسافات جد بعيدة". لقد سعت إسرائيل، رغم إقرار حزب الله، إلى تحميل إيران مسؤولية محاولة اغتيال (نتنياهو)، التي جاءت ب3 أيام بعد استشهاد قائد حماس (يحي السنوار). حيث إن تصفيته قد وثقت لها عن كثب بالصورة الحية عالية الدقة (HD)، "درون" إسرائيلية، كانت تقوم بترصد وتتبع (السنوار)، وتخلد من حيث لا تدري، لحظاته البطولية الأخيرة، وهو يهاجم "مقبلا غير مدبر" بسلاح بدائي "عصا"، المسيرة المتطورة، ويلقي بقنبلتين يدويتين على الجيش المدجج بالمدفعيات والرشاشات، ويصيب أحدهم بجروح بليغة. هذا، فإن الضربة الوشيكة، التي ستشنها إسرائيل، والتي ستكون مباغتة ومتزامنة، ستنطلق من جهات مختلفة؛ وقد تستهدف في الآن ذاته أهدافا متنوعة، ثابتة ومتحركة، ضمنها مواقع حساسة، محصنة تحت الأرض أو في الجبال أو في البحر، تشمل مفاعلات نووية، ومواقع إطلاق الصواريخ، وقواعد عسكرية للحرس الثوري، وقد تكون أضيفت، عقب محاولة اغتيال (نتنياهو)، التي نجا منها، أسماء مسؤولين إلى دائرة الاستهداف؛ ناهيك عن إشعال فتيل ثورة أو فتنة طائفية، الذي يظل احتمالا واردا. رد إسرائيل، بتنسيق مع حليفتها أمريكا، والذي الذي قد ينطلق من أجواء إسرائيل، أو من البحر، أو قد يكون أيضا من تراب "دول حليفة وصديقة"، وقد تستعمل فيه صواريخ عالية الدقة، تطلقها، علاوة على المقاتلات الحربية، حاملات الطائرات ومدمرات وغواصات، قد يعتبر "رد الفرصة الأخيرة" (the last chance)، لطي ملف إيران النووي، وتهديداتها الأبدية للكيان الصهيوني. رد قد يكون شبيها بال"apocalypse"، يندرج في حروب "الخيال العلمي"، التي يمكن التفرج عليها من داخل إحدى قاعات "ميغاراما"، والتي تستعمل فيها أقمار التجسس وأنظمة تحديد المواقع عالية الدقة، التي تعرف وتحدد كل كبيرة وصغيرة، وأسلحة دمار شامل جد متطورة، من صواريخ "فرصوتية" وقنابل فتاكة، موجهة بدقة الأشعة، لم تجرب قط؛ إذ لا يعلم مدى قوة وحجم تدميرها ودمارها سوى "العقول التي ابتكرتها"، وخلقتها وأخرجتها للوجود، من داخل المختبرات والقواعد العسكرية المصنفة "TOP SECRET". حيث إن هذا الرد الذي قد لم يكن البتة له ما قبله، قد يكون من غاياته وتبعاته توجيه رسالة ردع إلى دول تعتبرها أمريكا "مارقة". ما قد يدخل "التاريخ" الرئيس الأمريكي (بايدن)، المنتهية ولايته وصلاحيته، ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، في حالة نجاح هذه الضربة "غير المسبوقة". وبالمناسبة، فإن الرد الإسرائيلي الذي بات "وشيكا"، قد يتم تنفيذه مباشرة بعد انتهاء الأعياد الدينية التي يحييها اليهود، وعلى أبعد تقدير، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، التي ستعرفها الولايات الامريكية، الثلاثاء 05 نونبر 2024، سيما أن هذا الرد يندرج في إطار معادلة الانتخابات الرئاسية، التي تخوضها (كامالا هاريس)، عن الحزب الديمقراطي، في مواجهة (دونالد ترامب)، عن الحزب الجمهوري. إلى ذلك، وبالرجوع إلى (السنوار)، الذي انتقل إلى جوار ربه، بعد أن نال الشهادة في سبيل الوطن وفي سبيل الله، فقد دخل "التاريخ" من بابه الواسع، كما دخله من قبله البطل القومي الليبي (عمر المختار)، الذي أعدمه الاحتلال الإيطالي، في ال18 شتنبر 1931، ولم يتزعزع لحظة إعدامه بحبل المشنقة؛ حيث ظل منتصب القامة، شامخا كالجبل.. أو كالرئيس العراقي (صدام حسين)، الذي لم يطأطئ الرأس أو ينحني لجلاديه، خلال محاكمته الجائرة، وحتى عندما كان حبل المشنقة ملفوفا حول عنقه، وظل شامخا شموخ الجبل؛ حكم بالإعدام جرى بالمناسبة تنفيذه في حق الرئيس العراقي الشرعي (صدام حسين)، في ال30 ديسمبر 2006، والذي أريد، في رسالة مذلة للمسلمين والعرب، أن يتزامن مع ال10 ذي الحجة من سنة 1427، مع الوقت الذي كانت فيه الأمة الإسلامية تنحر كبش الفداء. كما ان الشهادة التي نالها، قد جعلت من (السنوار)، وعلى غرار المناضل الأرجنتيني (أرنستو تشي غيفارا). رمزا وأيقونة في العالم، للشعوب المستضعفة، التي تئن تحت قيود الاحتلال، والتي تتوق إلى الحرية والتحرر، هذا، فإن الجهة العسكرية التي تكون نشرت تفاصيل استشهاد (السنوار)، تكون قد حرمت بنية أو بدون نية (نتنياهو)، من الانتعاش بالنصر الذي طالما حلم به. (نتنياهو) الذي وصفه حليفه في الحكومة اليمينية المتطرفة، وزير الأمن القومي (إيتمار بن غفير)، ب"شكران بن شكران"، ما يعني باللغة العبرية "كذاب بن كذاب"، نسبة إلى والده، الذي يتهم بتحريف تاريخ اليهود وإسرائيل. فكم تكون "عظيمة" حسرة (نتنياهو) لاستشهاد البطل التاريخي، (يحيى السنوار) ! ولكم يكون تمنى لو أنه تم اعتقاله، بعد الفشل في "اغتياله"، وتقديمه للمحاكمة أمام محاكم إسرائيل، تنقل فصولها مباشرة على الهواء، على القنوات الفضائية العالمية، وفي كبريات الجرائد والصحف والمواقع الإلكترونية! محاكمة قد يريدها أن تكون "مذلة"، تنتهي حتما بحكم بالإعدام، وربما بحرق وإحراق "جثمانه الطاهر. محاكمة قد يكون (نتنياهو) يحلم ويتمنى أن تكون شبيهة بمحاكمتي العصر، اللتين عرفهما العالم وإسرائيل، في القرن العشرين: الأولى كانت محاكمة القادة النازيين الألمان، المتهمين بجرائم الحرب، والتي عرفت ب"محاكمات جرائم ما بعد الحرب"، أمام "المحكمة العسكرية الدولية"، التي فتحت أبوابها رسميا في 20 نونبر 1945، أي 6 أشهر بعد استسلام ألمانيا، في مدينة "نورنبرغ"، التي عرفت باسمها (محكمة نورنبرغ). والثانية، كانت محاكمة النازي "أدولف أيخمان"، الذي اعتبرته إسرائيل "مرتكب الهولوكوست الرئيسي"، بعد ان اختطفه عملاء، في 11 ماي 1960، من الأرجنتين، ونقلوه، بعد تخديره، وتغيير ملامح وجهه بالماكياج (..)، على متن طائرة خاصة، إلى إسرائيل، حيث بدأت محاكمته في ال11 أبريل 1961، وتم نقل فصولها على التلفاز؛ إذ تم إعدامه شنقا في 31 ماي 1962، بسجن الرملة. هذا، ووصف الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي (أفرايم غانور) في مقال له في صحيفة "معاريف" القيادة الإسرائيلية بأنها "تعاني من جمود عقلي وغطرسة تحت وهم أن الردع يتحقق بمجرد امتلاك التفوق العسكري. وهذا الاعتقاد الخاطئ أدى إلى الشعور بالراحة الزائفة.". إلى ذلك، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي يتقلد فيها "أعلى سلطة'"، (علي خامنئي)، قائد الثورة الإسلامية، أو و"الولي الفقيه"، وفق الدستور الإيراني، والمعروف إعلاميا ب"المرشد الأعلى للثورة الإسلامية"، يعتبر الجهة التي تحدد السياسات العامة، وتشرف على سير السلطات الثلاثة في إيران، في حين يعتبر مجلس الشورى الإيراني الجهة المخولة دستوريا لسن القوانين والتشريعات؛ فيما تعتبر رئاسة الجمهورية الجهة المنفذة لتلك القوانين. هذا، فيما يوجد القائد (حسن سلامي) على رأس فيلق حرس الثورة الإسلامية "سياه باسداران"، بالفارسية؛ حيث يوكل إلى ما يعرف أيضا بالحرس الثوري الإسلامي، وفق الدستور الإيراني، الدفاع عن الحدود الإيرانية، وحفظ النظام الداخلي، وحماية نظام الجمهورية الإسلامية، في الداخل والخارج. لقد دخلت إيران، التي غيرت فيها الثورة الإسلامية، عام 1979، بزعامة (الإمام آسية الله الخميني)، نظام الحكم الذي كان سائدا تحت حكم (محمد رضا بهلوي)، آخر شاه في إيران، (دخلت) في صراع مع أمريكا التي ما فتئت تعتبرها "الشيطان الأكبر"، وتهدد إسرائيل بإزالتها من الوجود، ومحوها من على الخريطة. إيران التي يخوض حربا بالوكالة عنها (guerre par procuration)، حزب الله في لبنان، وحركة حماس، وتنظيمات المقاومة الفلسطينية، وحزب الله العراق، وجماعة أنصار الله اليمنية، الذين يعتبرون "أذرع إيران" في الشرق الأوسط؛ بيد أن أمريكا وإسرائيل تعتبرانهم "محور الشر". أحمد مصباح .